المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

28- واذكر - أيها الرسول - هوْل الموقف ، يوم نجمع الخلائق كافة ، ثم نقول للذين أشركوا في عبادتهم مع الله غيره : قفوا مكانكم أنتم ومن اتخذتموهم شركاء من دون الله ، حتى تنظروا ما يفعل بكم ، فوقعت الفرقة بين المشركين والشركاء ، وتبرأ الشركاء من عابديهم ، قائلين لهم : لم ندعكم إلى عبادتنا ، وما كنتم تعبدوننا ، وإنما كنتم تعبدون أهواءكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

ثم حكى - سبحانه - جانبا من الأقوال التي تدور بين المشركين وبين شركائهم يوم القيامة ، فقال - تعالى - :

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ . . . } .

قوله : { نَحْشُرُهُمْ } أي نجمعهم يوم القيامة للحساب ، يقال : حشر القائد جنده ، إذا جمعهم للحرب أو لأمر من الأمور .

ويوم ظرف زمان منصوب بفعل مقدر .

والمعنى : واذكر أيها الرسول الكريم أو أيها الإنسان العاقل ، يوم نجمع الناس كافة ، لنحاسبهم على أعمالهم في الدنيا .

{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُم } أي : ثم نقول لمشركين منهم في هذا اليوم العصيب ، الزموا مكانكم أنتم وشركاؤكم فلا تبرحوه حتى يقضى الله قضاؤه ، فيكم ، فقوله : { مكانكم } ظرف مكان منصوب بفعل مقدر ، وقوله { وَشُرَكَآؤُكُمْ } معطوف على ضمير الفعل المقدر ، وقوله { أنتم } تأكيد له . أى قفوا مكانكم أنتم وشركاؤكم .

وجاء العطف بثم ، للإِشارة إلى أن بين حشرهم ويبن ما يقال لهم ، مواقف أخرى فيها من الأهوال ما فيها ، فثم هنا للتراخي النسبي .

وقال - سبحانه - { مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ } مع أن المشركين كانوا يعتبرون معبوداتهم شركاء الله - من باب التهكم بهم . وللإِشارة إلى أن ما عبدوهنم لم يكونوا في يوم من الأيام شركاء لله ، وإنما المشركون هم الذين وصفوهم بذلك افتراء وكذاب .

وجاء وصفهم بالشرك في حيز الصلة ، للإِيذان بأنه أكبر جناياتهم ؛ وأن شركهم بالله - تعالى - هو الذي أدى بهم إلى هذا المصير المؤلم .

وقوله : { فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } أى : ففرقنا بينهم ، وقطعنا ما بينهم من صلات ، وميزنا بعضهم عن بعض كما يميز بين الخصوم عند التقاضى والمساءلة .

وزيلنا : من التزييل بمعنى التمييز والتفريق ، يقال : زيلت الشيء أزيله إذا نحيته وأبعدته ، ومنه قوله - تعالى - : { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أى : لو تميزوا وتفرقوا .

وعبر بإلفاء للدلالة على أن هذا التفريق والتمييز ؛ قد حدث عقب الخطاب من غير مهلة وجاء الأسلوب بصيغة الماضى مع أن هذا التذييل سيكون في الآخرة ، للإِيذان بتحقيق الوقوع ، وإلى زيادة التوبيخ والتحسير لهم .

وقوله : { وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } معطوف على ما قبله .

والمراد بالشركاء ؛ كل ما عبد من دون الله من إنس وجن وأوثان وغير ذلك .

أى : وقال شركاؤهم الذين أشركوهم في العبادة مع الله - تعالى - : إنكم إيها المشركون لم تكونوا لنا عابدين في الدنيا ، وإنما كنتم تعبدون أشياء أخرى زينها الشيطان لكم ؛ فانقذتم له بدون تدبر أو تعقل .

والمقصود بقولهم هذا - التبري من المشركين ، وتوبيخهم على أفكارهم الفاسدة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مّا كُنتُمْ إِيّانَا تَعْبُدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ويوم نجمع الخلق لموقف الحساب جميعا ، ثم نقول حينئذ للذين أشركوا بالله الاَلهة والأنداد : مكانكم أي امكثوا مكانكم ، وقفوا في موضعكم أنتم أيها المشركون ، وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الاَلهة والأوثان . فَزَيّلْنا بَيْنَهُمْ يقول : ففرّقنا بين المشركين بالله وما أشركوه به وبين غيره وأبنته منه . وقال : «فزيلنا » إرادة تكثير الفعل وتكريره . ولم يقل : «فزلنا بينهم » . وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه : «فزايلنا بينهم » ، كما قيل : وَلا تُصعّرْ خَدّكَ و«لا تصاعر خدّك » ، والعرب تفعل ذلك كثيرا في فعلت ، يلحقون فيها أحيانا ألفا مكان التشديد ، فيقولون : فاعلت إذا كان الفعل لواحد . وأما إذا كان لاثنين فلا تكاد تقول إلا فاعلت . وقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ أيّانا تَعْبُدُونَ وذلك حين تَبرّأ الّذِينِ اتّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اتّبَعُوا وَرَأوُا الْعَذَابَ وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسبابُ لما قيل للمشركين اتبعوا ما كنتم تعبدون من دون الله ، ونصبت لهم آلهتهم ، قالوا : كنا نعبد هؤلاء ، فقالت الاَلهة لهم : ما كنتم إيانا تعبدون . كما :

حُدثت عن مسلم بن خالد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : يكون يوم القيامة ساعة فيها شدّة تنصب لهم الاَلهة التي كانوا يعبدون ، فيقال : هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله ، فتقول الاَلهة : والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا فيقولون : والله لإياكم كنا نعبد فتقول لهم الاَلهة : فَكَفى بِاللّهِ شَهِيدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إنْ كُنّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمّ نَقُولُ للّذِينَ أشْرَكُوا مَكانَكُمْ أنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُم فَزَيّلْنا بَيْنَهُمْ قال : فرّقنا بينهم . وَقالَ شُركاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إيّانا تَعْبُدُونَ قالوا : بلى قد كنا نعبدكم ، ( ف ) قالوا كَفَى باللّهِ شَهِيدا بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ إنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نتكلم . فقال الله : هُنالك تَبْلُو كُلّ نَفْس ما أسْلَفَتْ . . . الآية .

ورُوي عن مجاهد ، أنه كان يتأوّل الحشر في هذا الموضع : الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، قال : سمعتهم يذكرون عن مجاهد ، في قوله : وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا قال : الحشر : الموت .

والذي قلنا في ذلك أولى بتأويله لأن الله تعالى ذكره أخبر أنه يقول يومئذ للذين أشركوا ما ذكر أنه يقول لهم ، ومعلوم أن ذلك غير كائن في القبر ، وأنه إنما هو خبر عما يقال لهم ويقولون في الموقف بعد البعث .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والحسن وشيبة وغيرهم ، «نحشرهم » بالنون ، وقرأت فرقة : «يحشرهم » بالياء ، والضمير في «يحشرهم » عائد على جميع الناس محسنين ومسيئين ، و { مكانكم } نصب على تقدير لازموا مكانكم وذلك مقترن بحال شدة وخزي ، و { مكانكم } في هذا الموضع من أسماء الأفعال إذ معناه قفوا واسكنوا ، وهذا خبر من الله تعالى عن حالة تكون لعبدة الأوثان يوم القيامة يؤمرون بالإقامة في موقف الخزي مع أصنامهم ثم ينطق الله الأصنام بالتبري منهم . وقوله : { وشركاؤكم } ، أي الذين تزعمون أنتم أنهم شركاء لله ، فأضافهم إليهم لأن كونهم شركاء إنما هو بزعم هؤلاء وقوله { فزيلنا بينهم } معناه فرقنا في الحجة والذهب وهو من زلت الشيء عن الشيء أزيله ، وهو تضعيف مبالغة لا تعدية ، وكون مصدر زيل تزييلاً ، يدل على أن زيل إنما هو فعل لا فيعل ، لأن مصدره كان يجيء على فيعلة ، وقرأت «فزايلنا » ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكفار إذ رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب قيل لهم : اتبعوا ما كنتم تعبدون فيقولون : كنا نعبد هؤلاء فتقول الأصنام : والله ما كنا نسمع أو نعقل : { ما كنتم إيانا تعبدون } فيقولون والله لإياكم كنا نعبد فتقول الآلهة : { كفى بالله شهيداً }{[6095]} الآية .

قال القاضي أبو محمد : وظاهر هذه الآية أن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى بن مريم بدليل القول لهم { مكانكم أنتم وشركاؤكم } ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم { إن كنا عن عبادتكم لغافلين } ، وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم ، و { أنتم } رفع بالابتداء والخبر موبخون أو مهانون{[6096]} ، ويجوز أن يكون { أنتم } تأكيداً للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو قفوا أو نحوه{[6097]} . و { شهيداً } نصب على التمييز ، وقيل على الحال{[6098]} ، «وأنْ » هذه عند سيبويه هي مخففة موجبة حرف ابتداء ولزمتها اللام فرقاً بينها وبين «إن » النافية ، وقال الفراء : «إن » بمعنى ما واللام بمعنى إلا ، و { هنالك } نصب على الظرف ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «تبلوا » بالباء بواحدة بمعنى اختبر ، وقرأ حمزة والكسائي «تتلوا » بالتاء بنقطتين من فوق بمعنى تتبع أي تطلب وتتبع ما أسلفت من أعمالها ، ويصح أن يكون بمعنى تقرأ كتبها التي ترفع إليها ، وقرأ يحيى بن وثاب «ودوا » بكسر الراء والجمهور «وردوا إلى الله » ، أي ردوا إلى عقاب مالكهم وشديد بأسه ، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في الرحمة والنصر ونحوه .

قال القاضي أبو محمد : وظاهر هذه الآية أن محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى بن مريم بدليل القول لهم { مكانكم أنتم وشركاؤكم } ودون فرعون ومن عبد من الجن بدليل قولهم { إن كنا عن عبادتكم لغافلين } ، وهؤلاء لم يغفلوا قط عن عبادة من عبدهم ، { وأنتم } رفع بالابتداء والخبر موبخون أو مهانون ، ويجوز أن يكون { أنتم } تأكيداُ للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو قفوا أو نحوه .


[6095]:- أخرجه ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه. (الدر المنثور).
[6096]:- هذا الإعراب عليه مآخذ، من أهمها أنه يفك الكلام الذي اتصلت أجزاؤه، وفيه تقدير إضمار لا ضرورة له، وأيضا فإن قوله تعالى: {فزيلنا بينهم} يدل على أنهم ثبتوا هم وشركاؤهم في مكان واحد حتى وقع التفريق بينهم، وكذلك فإن قراءة من قرأ: {أنتم وشركاءكم} بالنصب يدب على أنه مفعول معه والعامل فيه اسم الفعل، فلو كان [أنتم] مبتدأ حُذف خبره لما جاء أن يأتي بعده مفعول معه، تقول: "كل رجل وضيعته" بالرفع، ولا يجوز النصب.
[6097]:- وهذا أيضا ليس بجيد، إذ لو كان تأكيدا لذلك الضمير الذي في الفعل المقدر (قفوا أو نحوه) لجاز تقديمه على الظرف، إذ الظرف لم يتحمل ضميرا على هذا القول فيلزم تأخيره عنه، وهو غير جائز، لا تقول: "أنت مكانك"، والأصح أنه لا يجوز حذف المؤكد في التأكيد المعنوي، فكذلك هذا لأن التأكيد ينافي الحذف، وليس في كلامهم "أنت زيدا".
[6098]:- التمييز أحسن لقبوله (من). راجع "البحر المحيط".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

هذه الجملة معطوفة على جملة { والذين كسبوا السيئات } [ يونس : 27 ] باعتبار كونها معطوفة على جملة { للذين أحسنوا الحسنى } [ يونس : 26 ] فإنه لما ذكر في الجملتين السابقتين ما يختص به كل فريق من الفريقين من الجزاء وسماته جاءت هذه الجملة بإجمالِ حالةٍ جامعةٍ للفريقين ثم بتفصيل حَالة يمتاز بها المشركون ليحصل بذلك ذكر فظيع من أحوال الذين بلغوا الغاية في كسب السيئات ، وهي سيئة الإشراك الذي هو أكبر الكبائر ، وبذلك حصلت المناسبة مع الجملة التي قبلها المقتضية عطفها عليها .

والمقصود من الخبر هو ذكر حشرهم جميعاً ، ثم ما يقع في ذلك الحشر من افتضاح الذين أشركوا ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال ، ونحشرهم جميعاً . وإنما زيد لفظ { يوم } في صدر الجملة لأن ذلك اليوم لما كان هو زمن الحشر وأعمالٍ عظيمة أريد التذكير به تهويلاً وموعظة .

وانتصاب { يوم نحشرهم } إما على المفعولية بتقدير : اذْكر ، وإما على الظرفية لفعل مقدر يدل عليه قوله : { ثم نقول للذين أشركوا مكانكم } والتقدير : ونقول للذين أشركوا مكانكم يوم نحشر الناس جميعاً . وضمير { نحشرهم } للذين تقدم الكلام عليهم وهم الذين أحسنوا والذين كسبوا السيئات . وقوله : { جميعاً } حال من الضمير البارز في { نحشرهم } للتنصيص على إرادة عموم الضمير . وذلك أن الحشر يعم الناس كلهم . ومن نكت ذِكر حشر الجميع هُنا التنبيهُ على أن فظيعَ حال المشركين وافتضاحهم يكون بمرأى ومسمع من المؤمنين ، فتكون السلامة من تلك الحالة زيادة في النعمة على المسلمين وتقوية في النكاية للمشركين .

والحشر : الجمع من أمكنة إلى مكان واحد . وتقدم في قوله تعالى : { وحشرنا عليهم كل شيء } في سورة [ الأنعام : 111 ] .

وقوله : { مكانَكم } منصوب على المفعولية بفعل محذوف تقديره : الزموا مكانكم ، واستعماله هذا شائع في كلام العرب في الأمر بالملازمة مع التزام حذف العامل فيه حتى صار بمنزلة أسماء الأفعال الموضوعة للأمر ، نحو : صَهْ ، ويقترن بضمير مناسب للمخاطب من إفراد وغيره ، قال عمرو بن الأطنابة :

مكانَكِ تحمدي أو تستريحي

وأمرُهم بملازمة المكان تثقيف وحَبس . وإذ قد جمع فيه المخاطَبون وشركاؤهم عُلِم أن ذلك الحبس لأجل جريمة مشتركة بين الفريقين ، وهي كون أحد الفريقين عابداً والآخرِ معبوداً .

وقوله : { أنتم } تأكيد للضمير المتصل المقدر في الفعل المقدر ، وهو المسوغ للعطف عليه وبهذا العطف صار الشركاء مأمورين باللبث في المكان .

والشركاء : الأصنام . وصفوا بالشركاء لاعتقاد المخاطبين ذلك ، ولذلك أضيف إلى ضميرهم ، أي أنتم والذين زَعمتم أنهم شركاء . فإضافة شركاء إلى ضمير المخاطبين تهكم .

وعطف { فزيلْنا } بفاء التعقيب لإفادة حصول ذلك في عقب وقت الأمر باللبث . ولما كانت الفاء تقتضي الترتيب الزمني في حصول معطوفها إثر المعطوف عليه وكان المقصود هنا أن التزييل حصل مقارناً لإلزامهم المكان عبر عن فعل التزييل بصيغة الماضي لإفادة تحقيق وقوع التزييل كقوله : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] .

وزيَّل : مضاعف زال المتعدي . يقال : زَاله عن موضعه يَزِيله بمعنى أزاله فجعلوه يائي العين للتفرقة بينه وبين زال القاصر الذي هو واوي العين ، فزيَّل فعل للمبالغة في الزيْل مثل فَرَّق مبالغة في فرق . والمعنى وقع بينهم تفريق قوي بحيث انقطعت جميع الوِصَل التي كانت بينهم . والتزييل هنا مجازي فيشمل اختلاف القول .

وتعليق التزييل بالأصنام باعتبار خلق معناه فيها حين أنطقها الله بما يخالف زعم عبّادها .

وجملة { وقال شركاؤهم } عطف على جملة : { فزيلنا } فهو في حيز التعقيب ، ويجوز جعلها حالاً .

ويقول الشركاء هذا الكلام بخَلق نطق فيها خارق للعادة يفهمه الناس لإشعار أولئك العابدين بأن أصنامهم تبرأوا منهم ، وذلك مما يزيدهم ندامة . وكلام الأصنام يفيد نفي أن يكونوا عبدوهم بل عبدوا غيرهم . وفي استقامة ذلك إشكال لأن الواقع أنهم عبدوهم وعبدوا غيرهم فكيف ينفي كلامهم عبادتهم إياهم وهو كلام خلقه الله فيهم فكيف يكون كذباً . وقد تأول المفسرون هذا بوجوه لا ينثلج لها الصدر .

والذي ظهر لي أن يكون آخر كلام الأصنام مُبيناً لما أجمله أوله بأنهم نفوا أن يكونوا عبدوهم عبادةً كاملة وهي العبادة التي يقصِد منها العابد امتثال أمر المعبود وإرضاءه فتقتضي أن يكون المعبود عالماً وآمراً بتلك العبادة . ولما كانت الأصنام غير عالمين ولا آمرين استقام نَفْيهم أن يكون عبدتهم قد عبدوهم تلك العبادة وإنما عبدوا غيرهم ممن أمروهم بالعبادة وهم الشياطين ولذلك قالوا : { إنْ كنا عن عبادتكم لغافلين } كما تفسره الآية الأخرى وهي قوله تعالى : { أهؤلاء إياكم كانوا يعبُدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } [ سبأ : 40 ، 41 ] .

فالمراد بالشركاء الأصنام لا غيرها ، ويجوز أن يكون نُطقها بجحد عبادة المشركين هو أن خلق لها عقولاً فكانت عقولها مستحدثة يومئذٍ لم يتقرر فيها علم بأن المشركين عَبدوها . ويفسر هذا قولهم بعد ذلك { إن كنا عن عبادتكم لغافلين } .