المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

51- واذكروا حين واعد ربكم موسى أربعين ليلة لمناجاته ، فلما ذهب إلى ميعاده وعاد ، وجدكم قد انحرفتم واتخذتم العجل الذي صنعه السامري معبوداً لكم ، وكنتم ظالمين باتخاذكم العجل شريكاً لله الذي خلقكم ونجاكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

رابعاً : نعمة عفوه - سبحانه - عنهم بعد عبادتهم للعجل :

ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بنعمة رابعة وهي عفوه عنهم رغم جحودهم وكفرهم وعبادتهم لغيره ، فقال تعالى :

{ وَإِذْ وَاعَدْنَا موسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . . . }

المواعدة : مفاعلة من الجانبين ، وهي هنا على غير بابها ، لأن المراد بها هنا أمر الله - تعالى - لموسى أن ينقطع لمناجاته أربعين ليلة تمهيداً لإعطائه التوراة ، ويؤيد ذلك قراءة أبي عمرو وأبي جعفر ( وعدنا ) . وقيل : المفاعلة على بابها ، على معنى أن الله - تعالى - وعد نبيه موسى - عليه السلام - أن يعطيه التوراة وأمره بالحضور للمناجاة ، فوعد موسى ربه بالطاعة والامتثال فكان الوعد حاصلا من الطرفين .

وملخص هذه القصة أن قوم موسى بعد أن نجاهم الله ، وأغرق عدوهم أمام أعينهم ، طلبوا من نبيهم موسى أن يأتيهم بكتاب من عند الله ليعملوا بأحكامه ، فوعده - سبحانه - أن يعطيه التوراة بعد أربعين ليلة ينقطع فيها لمناجاته ، وبعد انقضاء تلك الفترة وذهاب موسى لتلقي التوراة من ربه اتخذ بنو إسرائيل عجلا جسداً له خوار فعبدوه من دون الله ، وأعلم الله موسى بما كان من قومه بعد فراقه ، فرجع إليهم غاضباً حزيناً ، وأعلمهم بأن توبتهم لن تكون مقبولة إلا بقتل أنفسهم ، فلما فعلوا ذلك عفا الله عنهم لكي يشكروه ، ويلتزموا الصراط المستقيم .

ومعنى الآيتين الكريمتين : واذكروا يا بني إسرائيل وقت أن وعدنا موسى أن نؤتيه التوراة بعد انقضاء أربعين ليلة من هذا الوعد ، فلما حل الوعد وجاء موسى لميقاتنا عبدتم العجل في غيبته ، فلم نعاجلكم بالعقوبة ، بل قبلنا توبتكم ، وعفونا عنكم ، لتكونوا من الشاكرين لله تعالى .

وهذا التذكير يحمل في طياته التعجيب من حالهم ، لأنهم قابلوا نعم الله بأقبح أنواع الكفر والجهالة ، حيث عبدوا في غيبة نبيهم ما هو مثال في الغباوة والبلادة وهو العجل .

وفي اختيار حرف العطف ( ثم ) المفيد للتراخي الرتبى في جملة { اتخذتم العجل } إشعار بأنهم انحدروا إلى دركات سحيفة من الجحود والجهل ، وأن ما ارتكبوه هو من عظائم الأمور في القبح والمعصية وحذف المفعول الثاني لاتخذتم وهو " إلهاً أو معبوداً لشناعة ذكره ولعلهم بأنهم اتخذوه إلهاً " .

وقوله تعالى : { مِن بَعْدِهِ } معناه : من بعد مضيه لميقات ربه إلى الطور وغيابه عنهم . وفي ذلك زيادة تشنيع عليهم ، حيث وصفهم - سبحانه - بعدم الوفاء ، لأنهم كان من الواجب عليهم - لو كانوا يعقلون - أن يستمروا على توحيد الله في غيبة نبيهم لا سيما وقد رأوا من المعجزات والنعم ، ما يطمئن النفوس ، ويقوي الإِيمان ويغرس في القلوب الطاعة لله تعالى .

وجملة { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } حالية مقيدة لاتخذتم ، ليكون اتخاذهم العجل معبوداً ، مقروناً بالتعدي والظلم من بدئه إلى نهايته ، وللإِشعار بانقطاع عذرهم فيما فعلوا .

/خ52

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ اتّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ }

اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأ بعضهم : وَاعَدْنا بمعنى أن الله تعالى واعد موسى ملاقاة الطور لمناجاته ، فكانت المواعدة من الله لموسى ، ومن موسى لربه . وكان من حجتهم على اختيارهم قراءة وَاعَدْنا على «وعدنا » أن قالوا : كل إيعاد كان بين اثنين للالتقاء أو الاجتماع ، فكل واحد منهما مواعد صاحبه ذلك ، فلذلك زعموا أنه وجب أن يقضي لقراءة من قرأ : واعدنا بالاختيار على قراءة من قرأ «وعدنا » .

وقرأ بعضهم : «وعَدْنا » بمعنى أن الله الواعد موسى ، والمنفرد بالوعد دونه . وكان من حجتهم في اختيارهم ذلك ، أن قالوا : إنما تكون المواعدة بين البشر ، فأما الله جل ثناؤه فإنه المنفرد بالوعد والوعيد في كل خير وشرّ . قالوا : وبذلك جاء التنزيل في القرآن كله ، فقال جل ثناؤه : إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقّ وقال : وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنها لَكُمْ قالوا : فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله : «وإذْ وَعَدْنا مُوسَى » .

والصواب عندنا في ذلك من القول ، أنهما قراءتان قد جاءت بهما الأمة وقرأت بهما القراء ، وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى ، وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة . فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان ، وذلك أن من أخبر عن شخص أنه وعد غيره اللقاء بموضع من المواضع ، فمعلوم أن الموعود ذلك واعد صاحبه من لقائه بذلك المكان ، مثل الذي وعده من ذلك صاحبه إذا كان وعده ما وعده إياه من ذلك عن اتفاق منهما عليه . ومعلوم أن موسى صلوات الله عليه لم يَعِدْه ربه الطور إلا عن رضا موسى بذلك ، إذ كان موسى غير مشكوك فيه أنه كان بكل ما أمر الله به راضيا ، وإلى محبته فيه مسارعا . ومعقول أن الله تعالى لم يعد موسى ذلك إلا وموسى إليه مستجيب . وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الله عزّ ذكره قد كان وعد موسى الطور ، ووعده موسى اللقاء ، وكان الله عزّ ذكره لموسى واعدا ومواعدا له المناجاة على الطور ، وكان موسى واعدا لربه مواعدا له اللقاء . فبأيّ القراءتين من «وعد » و«واعد » قرأ القارىء ، فهو الحقّ في ذلك من جهة التأويل واللغة ، مصيب لما وصفنا من العلل قبل .

ولا معنى لقول القائل : إنما تكون المواعدة بين البشر ، وأن الله بالوعد والوعيد منفرد في كل خير وشرّ وذلك أن انفراد الله بالوعد والوعيد في الثواب والعقاب والخير والشرّ والنفع والضرّ الذي هو بيده وإليه دون سائر خلقه ، لا يحيل الكلام الجاري بين الناس في استعمالهم إياه عن وجوهه ولا يغيره عن معانيه . والجاري بين الناس من الكلام المفهوم ما وصفنا من أن كل إيعاد كان بين اثنين فهو وعد من كل واحد منهما صاحبه ومواعدة بينهما ، وأن كل واحد منهما واعد صاحبه مواعد ، وأن الوعد الذي يكون به الإنفراد من الواعد دون الموعود إنما هو ما كان بمعنى الوعد الذي هو خلاف الوعيد .

القول في تأويل قوله تعالى : مُوسَى .

وموسى فيما بلغنا بالقبطية كلمتان ، يعني بهما : ماء وشجر ، فمو : هو الماء ، وسا : هو الشجر . وإنما سُمي بذلك فيما بلغنا ، لأن أمه لما جعلته في التابوت حين خافت عليه من فرعون وألقته في اليم كما أوحى الله إليها وقيل : إن اليم الذي ألقته فيه هو النيل دفعته أمواج اليم ، حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون ، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن ، فوجدن التابوت ، فأخذنه ، فسُمي باسم المكان الذي أصيب فيه . وكان ذلك المكان فيه ماء وشجر ، فقيل : موسى ماء وشجر : كذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، عن أسباط بن نصر ، عن السدي .

وهو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، فيما زعم ابن إسحاق .

حدثني بذلك ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل عنه .

القول في تأويل قوله تعالى : أرْبَعِينَ لَيْلَةً .

ومعنى ذلك وَإذْ وَاعَدْنا مُوسى أرْبَعِينَ لَيْلَةً بتمامها ، فالأربعون ليلة كلها داخلة في الميعاد .

وقد زعم بعض نحويي البصرة أن معناه : وإذْ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة أي رأس الأربعين ، ومثل ذلك بقوله : واسألِ القَرْيَةَ وبقولهم اليوم أربعون منذ خرج فلان ، واليوم يومان ، أي اليوم تمام يومين وتمام أربعين . وذلك خلاف ما جاءت به الرواية عن أهل التأويل وخلاف ظاهر التلاوة ، فأما ظاهر التلاوة ، فإن الله جل ثناؤه قد أخبر أنه واعد موسى أربعين ليلة ، فليس لأحد إحالة ظاهر خبره إلى باطن بغير برهان دالّ على صحته . وأما أهل التأويل فإنهم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره ، وهو ما :

حدثني به المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قوله : وَإذْ وَاعَدْنا مُوسَى أرْبَعِينَ لَيْلَةً قالَ : يعني ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة . وذلك حين خلف موسى أصحابه ، واستخلف عليهم هارون ، فمكث على الطور أربعين ليلة ، وأنزل عليه التوراة في الألواح ، وكانت الألواح من زبرجد . فقرّبه الربّ إليه نجيّا ، وكلمه ، وسمع صريف القلم . وبلغنا أنه لم يحدث حدثا في الأربعين ليلة حتى هبط من الطور .

وحدثت عن عمار بن الحسن ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، بنحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، قال : وعد الله موسى حين أهلك فرعون وقومه ، ونجاه وقومه ثلاثين ليلة ، ثم أتمها بعشر ، فتمّ ميقات ربه أربعين ليلة ، تلقاه ربه فيها بما شاء . واستخلف موسى هارون على بني إسرائيل ، وقال : إني متعجل إلى ربي فاخلفني في قومي ولا تتبع سبيل المفسدين فخرج موسى إلى ربه متعجلاً للقائه شوقا إليه ، وأقام هارون في بني إسرائيل ومعه السامريّ يسير بهم على أثر موسى ليلحقهم به .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي ، قال : انطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها الله بعشر .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ اتّخَذْتُمُ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأنْتُمْ ظالِمُونَ .

وتأويل قوله : ثُمّ اتّخَذْتُمُ العجْلَ منْ بَعْدِهِ ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد . والهاء في قوله «من بعده » عائدة على ذكر موسى . فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل المكذّبين به المخاطبين بهذه الآية ، عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم ، مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم ، معرّفهم بذلك أنهم من خلافهم محمدا صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته ، مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم ، ومحذّرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذّبين بالرسل من المسخ واللعن وأنواع النقمات .

وكان سبب اتخاذهم العجل ما :

حدثني به عبد الكريم بن الهيثم ، قال : حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا أبو سعيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما هجم فرعون على البحر هو وأصحابه ، وكان فرعون على فرس أدهم ذنوب حصان ، فلما هجم على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر ، فتمثل له جبريل على فرس أنثى وديق ، فلما رآها الحصان تقحّم خلفها . قال : وعرف السامريّ جبريل لأن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه ، فكان جبريل يأتيه فيغذوه بأصابعه ، فيجد في بعض أصابعه لبنا ، وفي الأخرى عسلاً ، وفي الأخرى سمنا . فلم يزل يغذوه حتى نشأ ، فلما عاينه في البحر عرفه ، فقبض قبضة من أثر فرسه . قال : أخذ من تحت الحافر قبضة .

قال سفيان : فكان ابن مسعود يقرؤها : «فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول » . قال أبو سعيد ، قال عكرمة ، عن ابن عباس : وألقي في رُوع السامري أنك لا تلقيها على شيء فتقول كن كذا وكذا إلا كان . فلم تزل القبضة معه في يده حتى جاوز البحر . فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر ، وأغرق الله آل فرعون ، قال موسى لأخيه هارون : اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأصْلِحْ ومضى موسى لموعد ربه . قال : وكان مع بني إسرائيل حليّ من حليّ آل فرعون قد تعوّروه ، فكأنهم تأثموا منه ، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله ، فلما جمعوه ، قال السامريّ بالقبضة التي كانت في يده هكذا ، فقذفها فيه وأومأ ابن إسحاق بيده هكذا وقال : كن عجلاً جسدا له خوار فصار عجلاً جسدا له خوار . وكان يدخل الريح في دبره ويخرج من فيه يسمع له صوت ، فقال : هذا إلهكم وإله موسى . فعكفوا على العجل يعبدونه ، فقال هارون : يا قَوْمِ إنّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وإنّ رَبّكُمْ الرّحْمَنُ فاتّبِعُونِي وأطِيعُوا أمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عاكِفينَ حتى يَرْجَعَ إلَيْنَا مُوسَى .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل يعني من أرض مصر أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا وأمرهم أن يستعيروا الحليّ من القبط . فلما نجّى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر ، وغرق آل فرعون ، أتى جبريل إلى موسى يذهب به إلى الله ، فأقبل على فرس فرآه السامري ، فأنكره ، وقال : إنه فرس الحياة . فقال حين رآه : إن لهذا لشأنا . فأخذ من تربة الحافر حافر الفرس . فانطلق موسى ، واستخلف هارون على بني إسرائيل ، وواعدهم ثلاثين ليلة ، وأتمها الله بعشر . فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل إن الغنيمة لا تحل لكم ، وإن حليّ القبط إنما هو غنيمة ، فاجمعوها جميعا ، واحفروا لها حفرة فادفنوها ، فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها ، وإلا كان شيئا لم تأكلوه . فجمعوا ذلك الحليّ في تلك الحفرة ، وجاء السامريّ بتلك القبضة ، فقذفها ، فأخرج الله من الحليّ عجلاً جسدا له خوار . وعدّت بنو إسرائيل موعد موسى ، فعدّوا الليلة يوما واليوم يوما ، فلما كان تمام العشرين خرج لهم العجل فلما رأوه قال لهم السامري : هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ يقول : ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه . فعكفوا عليه يعبدونه . وكان يخور ويمشي ، فقال لهم هارون : يا بني إسرائيل إنّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ يقول : إنما ابتليتم به يقول : بالعجل وإن ربكم الرحمن . فأقام هارون ومن معه من بني إسرائيل لا يقاتلونهم . وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه ، فلما كلمه قال له : وما أعجلَكَ عَنْ قَوْمكَ يا موسَى قالَ هُمْ أُولاءِ على أثَرِي وعَجِلْتُ إلَيْكَ رَبي لِتَرْضَى قال فإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ منْ بَعْدِكَ وأضَلّهُمُ السّامِري فأخبره خبرهم . قال موسى : يا ربّ هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل ، أرأيت الروح من نفخها فيه ؟ قال الرب : أنا . قال : ربّ أنت إذا أضللتهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق ، قال : كان فيما ذكر لي أن موسى قال لبني إسرائيل فيما أمره الله عزّ وجلّ به : استعيروا منهم يعني من آل فرعون الأمتعة والحليّ والثياب ، فإني منفلكم أموالهم مع هلاكهم . فلما أذن فرعون في الناس ، كان مما يحرّض به على بني إسرائيل أن قال : حين سار ولم يرضوا أن يخرجوا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالكم معهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان السامري رجلاً من أهل باجَرْما ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان حبّ عبادة البقر في نفسه ، وكان قد أظهر الإسلام في بني إسرائيل . فلما فضل هارون في بني إسرائيل وفصل موسى إلى ربه ، قال لهم هارون : أنتم قد حملتم أوزارا من زينة القوم آل فرعون وأمتعة وحليّا ، فتطهروا منها ، فإنها نجس . وأوقد لهم نارا ، فقال : اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها قالوا : نعم . فجعلوا يأتون بما كان معهم من تلك الأمتعة وذلك الحليّ ، فيقذفون به فيها ، حتى إذا تكسر الحليّ فيها ورأى السامريّ أثر فرس جبريل أخذ ترابا من أثر حافره ، ثم أقبل إلى النار فقال لهارون : يا نبيّ الله ألقي ما في يدي ؟ قال : نعم . ولا يظنّ هارون إلا أنه كبعض ما جاء به غيره من ذلك الحليّ والأمتعة . فقذفه فيها فقال : كن عجلاً جسدا له خوار فكان للبلاء والفتنة ، فقال : هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فعكفوا عليه ، وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا قط . يقول الله عز وجل : فَنَسِيَ أي ترك ما كان عليه من الإسلام ، يعني السامري ، أفَلا يَرَوْنَ أنْ لا يَرْجعُ إلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّا وَلا نَفْعا وكان اسم السامري موسى بن ظفر ، وقع في أرض مصر ، فدخل في بني إسرائيل . فلما رأى هارون ما وقعوا فيه : قالَ يا قَوْمِ إنّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإنّ رَبّكُمُ الرّحْمَنُ فاتّبِعُونِي وأطِيعُوا أمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حتى يَرْجِعَ إلَيْنَا مُوسَى فأقام هارون فيمن معه من المسلمين ممن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل . وتخوّف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى : فَرّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي وكان له هائبا مطيعا .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لما أنجى الله عز وجل بني إسرائيل من فرعون ، وأغرق فرعون ومن معه ، قال موسى لأخيه هارون : اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأصْلِحْ وَلا تَتّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ قال : لما خرج موسى وأمر هارون بما أمره به ، وخرج موسى متعجلاً مسرورا إلى الله . قد عرف موسى أن المرء إذا نجح في حاجة سيده كان يسرّه أن يتعجل إليه . قال : وكان حين خرجوا استعاروا حليا وثيابا من آل فرعون ، فقال لهم هارون : إن هذه الثياب والحليّ لا تحلّ لكم ، فاجمعوا نارا ، فألقوه فيها فأحرقوه قال : فجمعوا نارا . قال : وكان السامري قد نظر إلى أثر دابة جبريل ، وكان جبريل على فرس أنثى ، وكان السامري في قوم موسى . قال : فنظر إلى أثره فقبض منه قبضة ، فيبست عليها يده فلما ألقى قوم موسى الحليّ في النار ، وألقى السامري معهم القبضة ، صوّر الله جل وعز ذلك لهم عجلاً ذهبا ، فدخلته الريح ، فكان له خوارٌ ، فقالوا : ما هذا ؟ فقال : السامري الخبيث : هذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ . . . الآية ، إلى قوله : حتى يَرْجِعَ إلَيْنَا مُوسَى قال : حتى إذا أتى موسى الموعد ، قال الله : ما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسَى قالَ هُمْ أُولاَءِ على أثَرِي فقرأ حتى بلغ : أفَطالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ .

حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : ثمّ اتّخَذْتُمْ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ قال : العجل حَسِيل البقرة . قال : حليّ استعاروه من آل فرعون ، فقال لهم هارون : أخرجوه فتطهروا منه وأحرقوه وكان السامري قد أخذ قبضة من أثر فرس جبريل ، فطرحه فيه فانسبك ، وكان له كالجوف تهوي فيه الرياح .

حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : إنما سمي العجل ، لأنهم عَجِلُوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى .

حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحو حديث القاسم ، عن الحسن .

حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

وتأويل قوله وأنْتُمْ ظالِمُونَ يعني وأنتم واضعو العبادة في غير موضعها لأن العبادة لا تنبغي إلا لله عز وجل وعبدتم أنتم العجل ظلما منكم ووضعا للعبادة في غير موضعها . وقد دللنا في غير هذا الموضع مما مضى من كتابنا أن أصل كل ظلم وضع الشيء في غير موضعه ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ( 51 )

وقرأ الجمهور «واعدنا » . وقرأ أبو عمرو . «وعدنا » ، ورجحه أبو عبيد ، وقال : إن المواعدة لا تكون إلا من البشر( {[591]} ) .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وليس هذا بصحيح ، لأن قبول موسى لوعد الله والتزامه وارتقابه يشبه المواعدة( {[592]} ) ، و { موسى } اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتعريف ، والقبط على ما يروى يقولون للماء «مو » ، وللشجر «سا » ، فلما وُجِدَ موسى في التابوت عند ماء وشجر سُمِّي «موسى » .

قال ابن إسحاق : هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، ونصب أربعين على المفعول الثاني ، ولا يجوز نصبها على الظرف في هذا الموضع ، وهي فيما روي ذو العقدة وعشر ذي الحجة ، وخص الليالي دون الأيام بالذكر إذ الليلة أقدم من اليوم وقبله في الرتبة ، ولذلك وقع بها التاريخ( {[593]} ) .

قال النقاش : «وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم ، لأنه لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل ، فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلة بأيامها » .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : حدثني أبي رضي الله عنه قال : سمعت الشيخ الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل بن الجوهري رحمه الله يعظ الناس بهذا المعنى في الخلوة بالله والدنو منه في الصلاة ونحوه ، وأن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول : أين حال موسى في القرب من الله ووصال ثمانين من الدهر من قوله حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم : «آتنا غداءنا »( {[594]} ) ؟ وكل المفسرين على أن الأربعين كلها ميعاد .

وقال بعض البصريين : وَعَدَهُ رأس الأربعين ليلة .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف : وقوله تعالى { ثم اتخذتم } . قرأ أكثر السبعة بالإدغام .

وقرأ ابن كثير وعاصم في روايه حفص عنه بإظهارالذال و { ثم } للمهلة ، ولتدل على أن الاتخاذ بعد المواعدة ، واتخذ وزنه افتعل من الأخذ( {[595]} ) .

قال أبو علي : «هو من تخذ لا من أخذ » وأنشد [ المخرق العبدي ] : [ الطويل ]

وَقَدْ تَخِذتْ رِجْلي إلى جَنْبِ غَرْزِها . . . نسيفاً كأُفْحوصِ القَطَاة المطرق( {[596]} )

ونصب { العجل } ب { اتخذتم } ، والمفعول الثاني محذوف ، تقديره اتخذتم العجل إلهاً ، واتخذ قد يتعدى إلى مفعول واحد ، كقوله تعالى : { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً }( {[597]} ) [ الفرقان : 27 ] وقد يتعدى إلى مفعولين أحدهما هو الآخر في المعنى كقوله تعالى : { اتخذوا أيمانهم جنة }( {[598]} ) [ المجادلة : 16 ، المنافقون : 2 ] ، وكهذه الآية وغيرها ، والضمير في { بعده } يعود على موسى . وقيل : على انطلاقه للتكليم ، إذ المواعدة تقتضيه . وقيل : على الوعد .

وقصص هذه الآية أن موسى صلى الله عليه وسلم لما خرج ببني إسرائيل من مصر ، قال لهم : إن الله تعالى سينجيكم من آل فرعون وينفلكم حليهم ومتاعهم الذي كان أمرهم باستعارته ، وروي أنهم استعاروه برأيهم( {[599]} ) ، فنفلهم الله ذلك بعد خروجهم ، وقال لهم موسى عن الله تعالى : إنه ينزل عليّ كتاباً فيه التحليل والتحريم والهدى لكم ، فلما جازوا البحر طالبوا موسى بما قال لهم من أمر الكتاب ، فخرج لميعاد ربه وحده ، وقد أعلمهم بالأربعين ليلة ، فعدوا عشرين يوماً بعشرين ليلة ، ثم قالوا هذه أربعون من الدهر ، وقد أخلفنا الموعد ، وبدا تعنتهم وخلافهم .

وكان السامري رجلاً من بني إسرائيل يسمى موسى بن ظفر ، وقيل لم يكن من بني إسرائيل بل كان غريباً فيهم ، وكان قد عرف جبريل عليه السلام وقت عبرهم البحر ، فقالت طائفة : أنكر هيئته فعرف أنه ملك .

وقال طائفة : كانت أم السامري ولدته عام الذبح( {[600]} ) فجعلته في غار وأطبقت عليه ، فكان جبريل صلى الله عليه وسلم يغذوه بأصابع نفسه فيجد في إصبع لبناً ، وفي إصبع عسلاً ، وفي إصبع سمناً ، فلما رآه وقت جواز البحر عرفه ، فأخذ من تحت حافر فرسه قبضة تراب ، وألقي في روعه أنه لن يلقيها على شيء ويقول له كن كذا إلا كان ، فلما خرج موسى لميعاده قال هارون لبني إسرائيل : إن ذلك الحلي والمتاع الذي استعرتم من القبط لا يحل لكم ، فجيئوا به حتى تأكله النار التي كانت العادة أن تنزل على القرابين .

وقيل : بل أوقد لهم ناراً وأمرهم بطرح جميع ذلك فيها ، فجعلوا يطرحون .

وقيل : بل أمرهم أن يضعوه في حفرة دون نار حتى يجيء موسى ، وجاء السامري فطرح القبضة( {[601]} ) ، وقال كن عجلاً .

وقيل : إن السامري كان في أصله من قوم يعبدون البقر ، وكان يعجبه ذلك( {[602]} ) .

وقيل : بل كانت بنو إسرائيل قد مرت مع موسى على قوم يعبدون البقر ف { قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] ، فوعاها السامري وعلم أن من تلك الجهة يفتنون ، ففتنت بنو إسرائيل بالعجل ، وظلت منهم طائفة يعبدونه ، فاعتزلهم هارون بمن تبعه ، فجاء موسى من ميعاده فغضب حسبما يأتي قصصه في مواضعه من القرآن إن شاء الله .

ثم أوحى الله إليه أنه لن يتوب على بني إسرائيل حتى يقتلوا أنفسهم ، ففعلت بنو إسرائيل ذلك ، فروي أنهم لبسوا السلاح ، من عبد منهم ومن لم يعبد( {[603]} ) وألقى الله عليهم الظلام ، فقتل بعضهم بعضاً يقتل الأب ابنه والأخ أخاه ، فلما استحر فيهم القتل وبلغ سبعين ألفاً عفا الله عنهم وجعل من مات منهم شهيداً ، وتاب على البقية ، فذلك قوله : { ثم عفونا عنكم } .

وقال بعض المفسرين : وقف الذين عبدوا العجل صفاً ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم .

وقالت طائفة : جلس الذين عبدوا بالأفنية ، وخرج يوشع بن نون ينادي : ملعون من حل حبوته ، وجعل الذين لم يعبدوا يقتلونهم ، وموسى في خلال ذلك يدعو لقومه ويرغب في العفو عنهم ، وإنما عوقب الذين لم يعبدوا بقتل أنفسهم على أحد الأقوال أو بقتلهم قراباتهم على الأقوال الأخر لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبدوا العجل ، وإنما اعتزلوا وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده .

و { أنتم ظالمون } مبتدأ وخبر في موضع الحال ، وقد تقدم تفسير الظلم( {[604]} ) .


[591]:- وأما من الله فإنما هو التفرد بالوعد، وعلى هذا جاء سياق القرآن، كقوله تعالى: [وعدكم وعد الحق]. وكقوله تعالى: [وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين]، وقد وافق أبا عبيد على هذا أبو حاتم ومكي، وإنما اتفقوا على ذلك نظرا إلى أصل المفاعلة وأنها تفيد الاشتراك في الفعل، وتكون من كل واحد من المتواعدين ونحوهما.
[592]:- رد لما قاله أبو عبيد، وحاصله: أن المفاعلة قد تأتي لواحد وهو كثير في كلام العرب كقولهم: داويت العليل، وعاقبت اللص، وطارقت النعل، وقد تكون هنا من اثنين بمعنى أن الله وعد موسى الوحي، وموسى وعد الله المجيء للميقات- أو يكون الوعد من الله- وقبوله كان من موسى. والقبول يشبه الوعد- وقراءة الألف هي قراءة الأكثر، ولا وجه لترجيح قراءة البصري على غيرها لأن كلا منهما متواتر، فهما في الصحة سواء، وقد سبق تخريجها على وجه صحيح مقبول، ولا غضاضة في كون الآدمي يعد الله تعالى بمعنى أنه يعاهده ويلتزم أمره.
[593]:- قال في الكافية: وراع في تاريخك الليالي لسبقها بليلة الهلال
[594]:- معناه أن موسى عليه السلام مشى أربعين يوما لمناجاة ربه، ولم يحتج فيها إلى طعام، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع. فقال: [آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا]، والإشارة في ذلك إلى أنه كان طالب علم، وطالب العلم من شأنه أن يحتمل كل مشقة، ولا يبالي بصيف ولا شتاء، ولا ذل ولا جوع، ومن هذه القضية أخذ علماء الصوفية الوصال، وأن أفضله أربعون يوما، قلنا: ويأتي عند ابن عطية في سورة الكهف أن والده حدثه عن أبي الفضل الجوهري الواعظ بمصر أنه قال في مجلس وعظه: من صحب أهل الخير عادت عليه بركتهم، هذا كلب صحب قوما صالحين فكان من بركتهم عليه أن ذكره الله في القرآن ولا يزال يتلى على الألسنة أبدا، ولذلك قيل: من جالس الذاكرين انتبه من غفلته، ومن خدم الصالحين ارتفع بخدمته.
[595]:- مسألة (اتخذ) عند أبي علي الفارسي مخرجة على أن التاء الأولى أصلية إذ قالت العرب (تخذ) بمعنى (أخذ)، كما في بيت الممزق العبدي، وقد حصل أبو (ح) في المسألة أقوالا أربعة. انظره في البحر المحيط.
[596]:- النسيف: أثر الكدم وأثر ركض الرجل بجنبي البعير- والأفحوص: مجثم القطاة لأنها تفحصه قبل أن تبيض فيه. ويقال: طرقت القطاة إذا حان خروج بيضها.
[597]:- من الآية 27 من سورة الفرقان.
[598]:- من الآية 16 من سورة المجادلة.
[599]:- هذا هو الأشبه بموسى عليه السلام، ويعضده ما جاء في سورة (طه)، حين قالوا: [ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم] فظاهره أنهم أعلموه بما لم يتقدم له به علم، أشار إليه (خ).
[600]:- أي العام الذي أمر فيه فرعون بذبح أبناء بني إسرائيل.
[601]:- أي للحلي الذي ألقي في الحفرة، كن عجلا فكان عجلا من ذهب.
[602]:- إشارة إلى بيان وجه اختيار العجل دون غيره من الحيوانات.
[603]:- أي: من عبد العجل، ومن لم يعبد.
[604]:- في تفسير قوله تعالى: [فتكونا من الظالمين].
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأ بعضهم: وَاعَدْنا بمعنى أن الله تعالى واعد موسى ملاقاة الطور لمناجاته، فكانت المواعدة من الله لموسى، ومن موسى لربه. وكان من حجتهم على اختيارهم قراءة وَاعَدْنا على «وعدنا» أن قالوا: كل إيعاد كان بين اثنين للالتقاء أو الاجتماع، فكل واحد منهما مواعد صاحبه ذلك، فلذلك زعموا أنه وجب أن يقضي لقراءة من قرأ: واعدنا بالاختيار على قراءة من قرأ «وعدنا».

وقرأ بعضهم: «وعَدْنا» بمعنى أن الله الواعد موسى، والمنفرد بالوعد دونه. وكان من حجتهم في اختيارهم ذلك، أن قالوا: إنما تكون المواعدة بين البشر، فأما الله جل ثناؤه فإنه المنفرد بالوعد والوعيد في كل خير وشرّ. قالوا: وبذلك جاء التنزيل في القرآن كله، فقال جل ثناؤه:"إنّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحَقّ" وقال: "وَإذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أنها لَكُمْ "قالوا: فكذلك الواجب أن يكون هو المنفرد بالوعد في قوله: «وإذْ وَعَدْنا مُوسَى».

والصواب عندنا في ذلك من القول، أنهما قراءتان قد جاءت بهما الأمة وقرأت بهما القراء، وليس في القراءة بإحداهما إبطال معنى الأخرى، وإن كان في إحداهما زيادة معنى على الأخرى من جهة الظاهر والتلاوة. فأما من جهة المفهوم بهما فهما متفقتان...

"أرْبَعِينَ لَيْلَةً".

ومعنى ذلك وَإذْ وَاعَدْنا مُوسى أرْبَعِينَ لَيْلَةً بتمامها، فالأربعون ليلة كلها داخلة في الميعاد.

" ثُمّ اتّخَذْتُمُ العِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأنْتُمْ ظالِمُونَ".

"ثُمّ اتّخَذْتُمُ العجْلَ منْ بَعْدِهِ": ثم اتخذتم في أيام مواعدة موسى العجل إلها من بعد أن فارقكم موسى متوجها إلى الموعد. والهاء في قوله «من بعده» عائدة على ذكر موسى. فأخبر جل ثناؤه المخالفين نبينا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل المكذّبين به المخاطبين بهذه الآية، عن فعل آبائهم وأسلافهم وتكذيبهم رسلهم وخلافهم أنبياءهم، مع تتابع نعمه عليهم وسبوغ آلائه لديهم، معرّفهم بذلك أنهم من خلافهم محمدا صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وجحودهم لرسالته، مع علمهم بصدقه على مثل منهاج آبائه وأسلافهم، ومحذّرهم من نزول سطوته بهم بمقامهم على ذلك من تكذيبهم ما نزل بأوائلهم المكذّبين بالرسل من المسخ واللعن وأنواع النقمات...

وتأويل قوله: "وأنْتُمْ ظالِمُونَ" يعني وأنتم واضعو العبادة في غير موضعها، لأن العبادة لا تنبغي إلا لله عز وجل، وعبدتم أنتم العجل ظلما منكم ووضعا للعبادة في غير موضعها.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

وهذا تنبيه على أن كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ليس بأعجب من كفرهم وعبادتهم العجل في زمن موسى عليه السلام...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان فرق البحر للإبقاء البدني، وكان إنزال الكتاب للإبقاء الديني عقبه به، وكان الطبع السليم والمزاج المستقيم يقتضي إحسان العمل زمن المواعدة واستعطاف المواعدة والترفق له والتملق بما تحقق الرجاء في إنجاز وعده، لا سيما بعد بليغ إحسانه بالإنجاء من العدو وإهلاكه؛ نعى عليهم عملهم بخلاف ذلك بقوله: {وإذ}.

وقال الحرالي: لما ذكّرهم تعالى بأمر الوفاء بالعهد الذي هو خاتمة أمرهم وبالتفصيل الذي كان بادية أمرهم، نظم ذلك بالأمر المتوسط بين الطرفين الذي أعلاه مواعدة موسى عليه السلام ربه الذي النعمة عليه نعمة عليهم، فقال: وإذ {واعدنا} من الوعد وهو الترجية بالخير، وواعدنا من المواعدة وهي التقدم في اللقاء والاجتماع والمفاوضة ونحوه.

{أربعين ليلة}: وخص الليل بالذكر إشارة إلى أن ألذ المناجاة فيه، وإلى أنه لا نوم في تلك المدة بل المناجاة عامة لليلها ونهارها...

ولما كانت الأنفس الأبيّة والهمم العلية تقتضي النفرة من الظالم والأنفة من كل ما ينسب إليه ويذكّر به، وكانوا قد اتخذوا من آثار آل فرعون من حليهم ما دخلوا في رقه وعبوديته، وكانت مشاهدتهم لما رأوا من الآيات مقتضية لغاية البعد من الكفر؛ عبر عن مواقعتهم له بثم فقال: {ثم اتخذتم}، قال الحرالي: من الاتخاذ وهو افتعال مما منه المواخذة كأنه الوخذ، وهو تصيير في المعنى نحو الأخذ في الحس، وفيه تكلف.

{العجل} وذكر في هذا التقرير أصل المواعدة وذكر الميقات وتجاوز الخطاب ما بعد ذلك من مهل حسب ما تفهمه كلمة ثم، فاقتضى إفهام ذلك ما نالوه من الخير، ثم تعقبوا ذلك بالتزام عادتهم في معاودة ما اعتادوه من أعمالهم إلى أدنى عمل من لا عقل له ولا بقية نظر له من اتخاذ جسد عجل إلهاً بعد معرفة آثار الإلهية على الغيب، ففيه تعجيب من أن موسى عليه السلام إنما واعده الله بالمناجاة بعد ميقات أربعين صوماً ونسكاً وتحنثاً وانقطاعاً إلى ربّه، ثم يرون هم أنهم شهدوا الإله مصوراً محسوساً على أن موسى الذي ناجاه ربّه منع الرؤية فكيف بهم وذلك هو ظلمهم، فوضعوا الإله محل الشيء المحسوس، وهو تعالى قد تعالى عن أن يراه صفيه الذي ناجاه في دنياه وإنما ناجاه بعد ميقاته، وهم يهمون في تألّه مرئي من غير مواعدة ولا اختصاص! وفي قوله تعالى {من بعده} أي من بعد إتيانه لميعادنا إضمار لذكر موسى عليه السلام، تقريراً لما كان ينبغي أن يكونوا عليه من الارتقاب لما يأتيهم به موسى من فوائد المناجاة، كما يكون من تعلق قلبه بمن هو قدوته، والبعد بعد عن حد يتخذ مبدأ ليكون سابقه قبل ولاحقه بعد -انتهى.

{وأنتم ظالمون} فاعلون فعل من هو في أظلم الظلام بعد أنجاءكم موسى بالنور المبين.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

قال الأستاذ الإمام بعد أن قرر نعمة الإنجاء من استعباد الظالمين، والبعد من فتنة القوم الضالين: ذكر النعمة التي وليتها، وذكرهم بما كان من كفرهم إياها، فقال {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة}. وقد كانت هذه المواعدة لإعطائه التوراة. ولما ذهب لميقات ربه استبطئوه فاتخذوا عجلا من ذهب فعبدوه كما هو مفصل في غير هذه السورة... والمراد هنا التذكير بالنعمة وبيان كفرها، ليظهر أن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ومعاندته ليس ببدع من أمرهم، وإنما هو معهود منهم مع رؤية الآيات وبعد إغلاق النعم عليهم، ولذلك اكتفى بالإشارة إليه بقوله {ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون} أي اتخذتموه إلها ومعبودا.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقصة اتخاذ بني إسرائيل للعجل، وعبادته في غيبة موسى -عليه السلام- عندما ذهب إلى ميعاد ربه على الجبل، مفصلة في سورة طه السابقة النزول في مكة. وهنا فقط يذكرهم بها، وهي معروفة لديهم. يذكرهم بانحدارهم إلى عبادة العجل بمجرد غيبة نبيهم، الذي أنقذهم باسم الله، من آل فرعون يسومونهم سوء العذاب. ويصف حقيقة موقفهم في هذه العبادة: (وأنتم ظالمون).. ومن أظلم ممن يترك عبادة الله ووصية نبيه ليعبد عجلا جسدا، وقد أنقذه الله ممن كانوا يقدسون العجول! ومع هذا فقد عفا الله عنهم.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

بنو إسرائيل عندما كانوا في مصر.. وكانوا يخدمون نساء آل فرعون.. أخذوا منهن بعض الحلي والذهب خلسة.. ومع أن فرعون وقومه متمردون على الله تبارك وتعالى.. فإن هذا لا يبرر سرقة حلي نسائهم.. فنحن لا نكافئ من عصى الله فينا بأن نعصي الله فيه.. ونصبح متساويين معهم في المعصية.. ولكن نكافئ من عصى الله فينا بأن نطيع الله فيه..

وأبو الدرداء رضي الله عنه حينما بلغه أن شخصا سبه.. بعث له كتابا قال فيه.. يا أخي لا تسرف في شتمنا.. واجعل للصلح موضعا، فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.. بنو إسرائيل سرقوا بعض حلي نساء آل فرعون.. فجعلها الله فتنة لإغوائهم.. وزين لهم الشيطان أن يصنعوا منه عجلا يعبدونه.. صنعه لهم موسى السامري الذي رباه جبريل.. فأخذ الحلي وصهرها ليجعلها في صورة عجل له خوار.. وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى. أتعرف لماذا فتنهم الله سبحانه وتعالى بالعجل؟

لأن الذهب المصنوع منه العجل من أصل حرام.. والحرام لا يأتي منه خير مطلقا.. ولابد أن نأخذ العبرة من هذه الواقعة.. وهي أن الحرام ينقلب على صاحبه شراً ووبالا، إن كان طعامك حراما يدخل في تكوين خلاياك ويصح في جسدك الحرام.. فإذا دخل الحرام إلى الجسد يميل فعلك إلى الحرام.. فالحرام يؤرق الجسد ويسوقه إلى المعاصي..

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تأكيد على مقطع آخر من تاريخ بني إسرائيل، وعلى أكبر انحراف أصيبوا به في تاريخهم الطويل، وهو الانحراف عن مبدأ التوحيد، والاتجاه إلى عبادة العجل. وهذا التأكيد تذكير لهم بما لحقهم من زيغ نتيجة إغواء الغاوين، وتحذير لهم من تكرر هذه التجربة في مواجهة الدين الخاتم: