فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

{ وإذ واعدنا } قراءة الجمهور واعدنا قال النحاس وهي أجود وأحسن وليس هو من الوعد والوعيد في شيء ، وإنما هو من باب الموافاة يعني من المواعدة وهو من الله الأمر ، ومن موسى القبول ، وذلك أن الله وعده بمجيء الميقات .

و { موسى } اسم أعجمي عبري معرب غير منصرف ، فموشى بالعبرية الماء والشجر ، سمي موسى لأنه أخذ من بين الماء والشجر ثم قلبت الشين سينا فسمي موسى .

{ أربعين ليلة } قال الزجاج تمام أربعين ليلة وهي عند أكثر المفسرين ثلاثون من ذي القعدة وعشر من ذي الحجة وبه قال أبو العالية ، وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام لأنها غرر الشهور ، ولأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة وقيل لأن الأشهر العربية وضعت على سير القمر وقيل لأن الظلمة من الضوء والمعاني متقاربة .

{ ثم اتخذتم العجل } أي جعلتم العجل إلها ، قال الحسن البصري كان اسم عجل بني إسرائيل الذي عبدوه { بهموت } وقيل بهبوت { من بعده } أي بعد مضي موسى إلى الطور ، وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوما وعشرين ليلة وقالوا قد أخلف موعده فاتخذوا العجل وهذا غير بعيد منهم كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل مخالفة لما يخاطبون به بل ويشاهدونه بأبصارهم ، فلا يقال كيف يعدون الأيام والليالي على تلك الصفة ، وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة والمعنى من بعد عبادتكم العجل ، وسمى العجل عجلا لاستعجالهم عبادته ، كذا قيل وليس بشيء لأن العرب تطلق هذا الاسم على ولد البقر ، وقد كان جعله لهم السامري على صورة العجل .

{ وأنتم ظالمون } أي وأنتم ضارون لأنفسكم بالمعصية حيث وضعتم العبادة في غير موضعها وقيل إنما سماهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله وخالفوا موعد نبيهم قيل والذين عبدوه منهم ثمانية آلاف وقيل كلهم إلا هارون مع اثني عشر ألفا وهذا أولى .