بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

قوله تعالى : { وَإِذْ واعدنا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } ، قرأ أبو عمرو «وَإِذْ وَعَدْنَا مُوسَى » بغير ألف ، وقرأ غيره { وإذ واعدنا } بالألف ، فمن قرأ بغير ألف فمعناه ظاهر ، يعني أن الله تعالى وعد موسى عليه السلام ومن قرأ بالألف فالمواعدة تجري بين اثنين ، وإنما كان الوعد من الله تعالى ومن موسى الوفاء ، ومن الله الأمر ، ومن موسى الائتمار . فكأنما جرت المواعدة بين الله تعالى وبين موسى . وقد يجوز أن تكون المفاعلة من واحد ، كما يقال : سافر ونافق .

ويقال : أربعين ليلة كانت ثلاثين ليلة منها من ذي القعدة وعشراً من ذي الحجة . وقال بعضهم : ثلاثين كانت من ذي الحجة وعشراً من المحرم وكانت مناجاته يوم عاشوراء . وروى الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس أنه قال : لما وعدهم موسى أربعين ليلة ، عدَّت بنو إسرائيل عشرين يوماً وعشرين ليلة ، وقالوا : قد تمت أربعون ولم يرجع موسى ، فقد خالفنا .

وذكر أن السامري قال لهم : إنكم استعرتم من نساء آل فرعون حليهم ولم تردوه عليهم ، فلعل الله تعالى لم يرد علينا موسى لهذا المعنى ، فهاتوا ما عندكم من الحلي حتى نحرقه ، فلعلَّ الله يرد إلينا موسى فجمعوا ذلك الحلي ، وكان السامري صائغاً فاتخذ من ذلك عجلاً ، وقد كان قبل ذلك رأى جبريل عليه السلام على فرس الحياة ، فكلما وضع حافره اخضر ذلك الموضع ، فرفع من تحت سنبكه قبضة من التراب ، ونفخ ذلك التراب في العجل فصار ذلك عجلاً جسداً له خوار . وروي عن ابن عباس أنه قال : صار عجلاً له لحم ودم وفيه حياة له خوار . وروي عن علي أنه قال : اتخذ عجلاً جسداً مشبكاً ، من ذهب له خوار ، فدخل الريح في جوفه وخرج من فيه كهيئة الخوار . فقال للقوم : هذا إلهكم وإله موسى فنسي ، يعني أن موسى أخطأ الطريق . وقال بعضهم : كان موسى وعدهم ثلاثين ليلة ، فتمَّ ميقات ربه أربعين ليلة ، لأنه قد أفطر من الصِّيام في تلك العشرة ، لأنه ظهر لهم الخلاف في تلك العشرة وهذا الطريق أوضح .

قوله تعالى : { ثُمَّ اتخذتم العجل مِن بَعْدِهِ } ، أي عبدتم العجل من بعد انطلاق موسى إلى الجبل { وَأَنتُمْ ظالمون } ، أي كافرون بعبادتكم العجل . ويقال : وأنتم ضارون أنفسكم بعبادتكم العجل .