نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِذۡ وَٰعَدۡنَا مُوسَىٰٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَٰلِمُونَ} (51)

ولما كان{[2349]} فرق البحر للإبقاء البدني وكان إنزال الكتاب للإبقاء الديني عقبه به ، وكان الطبع السليم والمزاج المستقيم يقتضي إحسان العمل زمن{[2350]} المواعدة واستعطاف المواعدة والترفق له والتملق{[2351]} بما تحقق الرجاء في إنجاز وعده ، لا سيما بعد بليغ إحسانه بالإنجاء من العدو وإهلاكه ؛ نعى عليهم عملهم بخلاف ذلك بقوله{[2352]} : { وإذ } .

و{[2353]}قال الحرالي : لما ذكّرهم تعالى بأمر الوفاء بالعهد الذي هو خاتمة أمرهم وبالتفصيل الذي كان بادية أمرهم ، نظم ذلك بالأمر المتوسط بين الطرفين الذي أعلاه مواعدة موسى {[2354]}عليه السلام{[2355]} ربه الذي النعمة عليه نعمة عليهم ، فقال : وإذ { واعدنا }{[2356]} من الوعد وهو الترجية بالخير ، وواعدنا من المواعدة وهي التقدم في اللقاء والاجتماع والمفاوضة ونحوه .

{ موسى } كلمة معربة من لفظ العبراني بما تفسيره فيما يقال ماء وشجر ، سمي{[2357]} به لما أودع فيه من التابوت المقذوف في اليم .

{ أربعين ليلة } هي كمال وقت الليل والليل وقت انطماس المدركات الظاهرة - انتهى .

{[2358]}وخص الليل{[2359]} بالذكر إشارة إلى أن ألذ المناجاة فيه ، وإلى أنه لا نوم في تلك المدة بل المناجاة عامة لليلها ونهارها ، وانتصب أربعين بوقوعه موقع المفعول الثاني لوعدنا أي انقضاء أربعين أي الكلام أو إنزال التوراة عند انقضاء الأربعين{[2360]} ، وهي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة وقيل ذو الحجة وعشر من المحرم .

قال الحرالي : وفيه إشعار بأن المناجاة إنما يتهيأ لها لميقات حبس النفس عما به قوامها وكمال ذلك إنما هو الصوم وكمال العدد الذي هو طور{[2361]} مصير من حال إلى حال هو الأربعون . وذكر الميقات بالليالي يشعر أن مناجاته صباح من{[2362]} ظلمة الكون في حال خصوص الخلقة من حيث إن الظلمة آية على فوت مرام نور الحق والنهار آية على ظهور نور الحق وأول بادٍ بدأ من الحق للخلق كلامه لمصطفى من خلقه بغير واسطة وهو بعد في دنياه وفي أرضه التي كانت سجناً ، فلما جاءها الحق لعبد من عبيده{[2363]} مناجياً له كما يأتيها يوم الجزاء بعد البعث صارت موطن رحمة وهدى ونور وهو مجيء الله سبحانه من سيناء المذكور في الكتاب الأول - انتهى .

وهذا دون قصة المعراج التي كانت لنبينا صلى الله عليه وسلم في اختراق السماوات العلى إلى سدرة المنتهى إلى ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى وسمع الكلام من غير واسطة ورجع إلى بيته في ليلته وقد قطع من المسافات ما مسيرته خمسون ألف سنة كما سأبينه إن شاء الله تعالى في سورة السجدة .

ولما كانت الأنفس الأبيّة والهمم العلية تقتضي النفرة من الظالم{[2364]} والأنفة من كل ما ينسب إليه ويذكّر به ، وكانوا قد اتخذوا من آثار آل فرعون من حليهم ما دخلوا في رقه وعبوديته ، وكانت مشاهدتهم لما رأوا من الآيات مقتضية لغاية البعد من الكفر ؛ عبر عن مواقعتهم له بثم فقال : { ثم اتخذتم } ، قال الحرالي : من الاتخاذ وهو افتعال مما منه المواخذة كأنه الوخذ ، وهو تصيير في المعنى نحو الأخذ في الحس ، وفيه تكلف .

{ العجل } وذكر في هذا التقرير أصل المواعدة وذكر الميقات وتجاوز الخطاب ما بعد ذلك {[2365]}من مهل{[2366]} حسب ما تفهمه كلمة ثم ، فاقتضى إفهام ذلك ما نالوه من الخير ، ثم تعقبوا ذلك بالتزام عادتهم في معاودة ما اعتادوه من أعمالهم إلى أدنى عمل من لا عقل له{[2367]} ولا بقية نظر له من اتخاذ جسد عجل إلهاً بعد معرفة آثار الإلهية على الغيب ، ففيه تعجيب من أن موسى {[2368]}عليه السلام{[2369]} إنما واعده الله بالمناجاة بعد ميقات أربعين صوماً ونسكاً وتحنثاً{[2370]} وانقطاعاً إلى ربّه ، ثم يرونهم أنهم شهدوا الإله{[2371]} مصوراً محسوساً على أن موسى الذي ناجاه ربّه منع الرؤية فكيف بهم{[2372]} وذلك هو ظلمهم ، فوضعوا الإله محل الشيء المحسوس ، وهو تعالى قد تعالى عن أن يراه صفيه الذي ناجاه في دنياه وإنما ناجاه بعد ميقاته ، وهم يهمون في تألّه مرئي من غير مواعدة ولا اختصاص ! وفي قوله تعالى { من بعده } أي من بعد إتيانه لميعادنا{[2373]} إضمار لذكر{[2374]} موسى عليه السلام ، تقريراً لما كان ينبغي أن يكونوا عليه من الارتقاب لما يأتيهم به موسى{[2375]} من فوائد المناجاة ، كما يكون من تعلق قلبه بمن هو قدوته{[2376]} ، والبعد بعد عن حد يتخذ{[2377]} مبدأ ليكون سابقه قبل ولاحقه بعد{[2378]} - انتهى .

{[2379]}واثبات الجار لأن اتخاذهم ذلك لم يستغرق زمان البعد{[2380]} .

{ وأنتم ظالمون } فاعلون فعل من هو في أظلم الظلام بعد أنجاءكم موسى{[2381]} بالنور المبين .


[2349]:العبارة من هنا على "عقبه به" ليست في ظ.
[2350]:في م: من.
[2351]:في ظ: القلق.
[2352]:قال البيضاوي: واعلم أن هذه الواقعة من أعظم ما انعم الله به على بني إسرائيل ومن الآيات اتخذوا العجل وقالوا "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" ونحو ذلك، فهم بمعزل في الفطنة والذكاء وسلامة النفس وحسن الاتباع عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم اتبعوا مع أن ما تواتر من معجزاته أمور نظرية دقيقة يدركها الأذكياء وإخباره عليه السلام عنها من جملة معجزاته على ما مر تقريره.
[2353]:ليس في م.
[2354]:زيد من م.
[2355]:زيد من م.
[2356]:لما عادوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وعد الله تعالى موسى أن يعطيه التوراة وضرب له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة وعبر عنها بالليالي لأنها غرر الشهور - انتهى. وقال أبو حيان : قرأ الجمهور "واعدنا" وقرأ أبو عمر "وعدنا" بغير ألف هنا وفي الأعراف وطه، ويحتمل واعدنا أن يكون بمعنى وعدنا ويكون صدر من واحد، ويحتمل أن يكون من اثنين على أصل المفاعلة، فيكون الله قد وعد موسى الوحي ويكون موسى وعد الله المجيء للميقات، أو يكون الوعد من الله وقبوله كان من موسى وقبول الوعد يشبه الوعد.
[2357]:اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والعلمية، يقال هو مركب من مو وهو الماء وشا وهو الشجر، فلما عرب أبدلوا شينه سينا. وإذا كان أعجميا فلا يدخله اشتقاق عربي؛ هو موسى ابن عمران بن يصهر، ابن قاهث ابن لاوى ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم خليل الرحمان – البحر المحيط.
[2358]:العبارة من هنا إلى "ونهارها" ليست في ظ.
[2359]:وكان تفسير الأربعين بليلة دون يوم لأن أول الشهر ليلة الهلال ولهذا أرخ بالليالي، واعتماد العرب على الأهلة فصارت الأيام تبعا لليالي، أو لأن الظلمة أقدم من الضوء بدليل "وآية لهم الليل نسلخ منه النهار" البحر المحيط 1 / 200
[2360]:العبارة من هنا إلى "المحرم" ليست في ظ.
[2361]:في ظ: ظهور.
[2362]:في ظ: به.
[2363]:في ظ: عباده.
[2364]:في ظ: المظالم.
[2365]:ليس في ظ.
[2366]:ليس في ظ.
[2367]:ليس في م ومد وظ.
[2368]:زيد من م ومد.
[2369]:زيد من م ومد.
[2370]:في م: تحننا.
[2371]:في التفسير المظهري: لما عادوا إلى مصر بعد هلاك فرعون وعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة فقال موسى: غني ذاهب إلى ربي، وواعدهم أربعين ليلة واستخلف هارون وجاء جبرائيل على فرس الحياة لا يصيب شيئا إلا أحياه ليذهب بموسى إلى ربه، فلما رأى السامري موضع الفرس يخضر وكان رجلا صائغا من أهل باجرمي وقيل من أهل كرمان وكان منافقا أظهر الإسلام وكان من قوم يعبدون البقر أخذ من تربة حافر فرس جبرئيل وكان بنو إسرائيل استعاروا حليا كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر لعلة عرس لهم فاهلك الله فرعون وبقيت الحلى عندهم فلما فصل موسى قال السامري: إن الحلى التي استعرتم من قوم فرعون غنيمة لا تحل لكم فاحفروا حفرة وادفنوا فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه، فأخذ السامري وصاغها عجلا في ثلاثة أيام وألقى فيها القبضة التي أخذها من تراب حافر فرس جبرائيل، فخرجت عجلا مرصعا بالجواهر يخور خورة ويمشي، فقال السامري: هذا إلاهكم وإلاه موسى فنسي، وكان موسى وعد لهم ثلاثين ليلة، ثم زيدت العشرة، وفيها فتنهم وأضلهم السامري فعبدوا العجل – كذا روى الخطيب الشربيني وأشار أبو حيان إلى هذه القصة.
[2372]:ليس في م.
[2373]:قال المهائمي: أي من بعد خروج موسى الزواجر عن عبادة فرعون والأوثان "وأنتم ظالمون" مثل ظلم آل فرعون بل أشد، لأنه بعد الإيمان، وقال أبو حيان: قيل بوضع العبادة في غير موضعها، وقيل بتعاطي أسباب هلاكها، وقيل برضاكم فعل السامري في اتخاذه العجل، ولم تنكروا عليه. وقال: ومن أغرب ما ذهب إليه في هذا العجل أنه سمى عجلا لأنهم عجلوا به قبل قدوم موسى فاتخذوه إلاها - قاله أبو العالية، أو سمى هذا عجلا لقصر مدته – انتهى.
[2374]:في م: لذكرى.
[2375]:زيد في م: عليه السلام.
[2376]:في م: قدراه.
[2377]:في ظ: تتخذ.
[2378]:في م: بعده.
[2379]:ليست في ظ.
[2380]:ليست في ظ.
[2381]:زيد في م: عليه السلام.