المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

33- يا أيها الناس : افعلوا ما أمركم ربكم به ، واتركوا ما نهاكم عنه ، واحذروا عذابه يوم القيامة ، يوم لا يغنى والد فيه عن ولده شيئاً ، ولا مولود هو مغن عن والده شيئاً ، إن هذا اليوم وعد الله به ، ووعده حق لا يتخلف ، فلا تلهينكم زخارف الدنيا وزينتها عن الاستعداد له ، ولا تخْدَعنَّكُم وساوس الشيطان ، فتصرفكم عن الله وطاعته .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بدعوة الناس إلا الاستعدد ليوم الحساب وإلى مراقبة الله - تعالى - فى كل أحوالهم ، لأنه - سبحانه - لا يخفى عليه شئ منها . فقال : { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ . . . . عَلَيمٌ خَبِيرٌ } .

والمعنى : { ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ } بأن تطيعوه ولا تعصوه ، وبأن تشكروه ولا تكفروه ، واخشوا يوما ، أى : وخافوا أهوال يوم عظيم .

{ لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } أى : لا يستطيع والد أن ينفع ولده بشئ من النفع فى هذا اليوم . أو أن يقضى عنه شيئا من الأشياء .

{ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً } أى : ولا يستطيع المولود - أيضا - أن يدفع عن والده شيئا مما يحتاجه منه .

وخص - سبحانه - الوالد والمولود بالذكر ، لأن رابطة المحبة والمودة بينهما هى أقوا الروابط وأوثقها ، فإذا انتفى النفع بينهما فى هذا اليوم ، كان انتفاؤه بالنسبة لغيرها من باب أولى .

وقوله : { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } أى : إن ما وعد الله - تعالى - به عباده من البعث والحساب والثواب والعقاب ، حق وثابت ثبوتا لا يقبل الشك أو التخلف .

وما دام الأمر كذلك { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحياة الدنيا } أى : فلا تخدعنكم الحياة الدنيا بزخارفها وشهواتها ومتعها ، ولا تشغلنكم عن طاعة الله - تعالى - وعن حسن الاستعداد لهذا اليوم الهائل الشديد . فإن الكيسِّ الفطن هو الذى يتزود لهذا اليوم بالإِيمان الحق ، والعمل الصالح النافع .

{ وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور } أى : ولا يصرفنكم الشيطان عن طاعة الله ، وعن امتثال أمره . فالمراد بالغرور : الشيطان . أو كل ما يصرفك عن طاعة الله - تعالى .

قال الآلوسى : { وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بالله الغرور } أى : الشيطان ، كما روى عن ابن عباس وغيره . بأن يحملكم على المعاصى بتزيينها لكم . . وعن أبى عبيدة : كل شئ غرك حتى تعصى الله - تعالى - فهو غرور سواء أكان شيطانا أم غيره وعلى ذلك ذهب الراغب فقال : الغرور كل ما يغر الإِنسان من مال أو جاه أو شهوة أو شيطان . . وأصل الغرور : من غر فلان فلانا ، إذا أصاب غرته ، أى : غفلته ، ونال منه ما يريد . به الخداع .

والظاهر أن " بالله " صلة " يغرنكم " أى : لا يخدعنكم بذكر شئ من شئونه - تعالى - ، يجركم بها على معاصيه - سبحانه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلاَ يَغُرّنّكُم بِاللّهِ الْغَرُورُ } . يقول تعالى ذكره : أيها المشركون من قريش ، اتقوا الله ، وخافوا أن يحلّ بكم سخطه في يوم لا يغنى والد عن ولده ، ولا مولود هو مغن عن والده شيئا ، لأن الأمر يصير هنالك بيد من لا يغالب ، ولا تنفع عنده الشفاعة والوسائل ، إلاّ وسيلة من صالح الأعمال التي أسلفها في الدنيا . وقوله : إنّ وَعْدَ اللّهِ حَقّ يقول : اعلموا أن مجيء هذا اليوم حقّ ، وذلك أن الله قد وعد عباده ولا خلف لوعده فَلا تَغُرّنّكُمُ الحَياةُ الدّنْيا يقول : فلا تخدعنكم زينة الحياة الدنيا ولذّاتها ، فتميلوا إليها ، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله ذلك اليوم . وقوله : وَلا يَغُرّنّكُمْ بالله الغَرُورِ يقول : ولا يخدعنّكم بالله خادع . والغَرور بفتح الغين : هو ما غرّ الإنسان من شيء ، كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا ، أو دنيا وأما الغُرور بضمّ الغين : فهو مصدر من قول القائل : غررته غرورا . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله وَلا يَغُرّنّكُمْ باللّهِ الغَرُور قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله الغَرُور قال : الشيطان .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قوله وَلا يَغُرّنكُمْ بِاللّهِ الغَرُورُ ذاكم الشيطان .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد المروزي ، يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله الغَرُورُ قال : الشيطان .

وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جُبَير ، قوله : وَلا يَغُرّنّكُمْ باللّهِ الغَرُورُ قال : إن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَٱخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (33)

{ يجزي } معناه يقضي ، والمعنى : لا ينفعه بشيء ولا يدفع عنه ، و { هو جاز } جملة في موضع الصفة ، أي ولا يجزي مولود قد كان في الدنيا يجزي{[9390]} ، و { الغرور } التطميع بما لا يتحصل ، و { الغرور } الشيطان ، بذلك فسر مجاهد والضحاك وقال هو الأمل والتسويف ، وقرأ سماك بن حرب{[9391]} وأبو حيوة «الغُرور » بضم العين ، وقال سعيد بن جبير : معنى الآية أن تعمل المعصية وتتمنى المغفرة ، وقرأ الجمهور «يَجزي » بفتح الياء من جزا ، وقرأ عكرمة «يُجزي » بضم الياء على ما لم يسم فاعله ، وحكى ابن مجاهد قراءة «لا يُجزىء » بضم الياء والهمز وفي رفع «مولودٌ » اضطراب من النحاة قال المهدوي : ولا يكون مبتدأ لأنه نكرة وما بعده صفة له فيبقى بغير خبر{[9392]} .

وقرأ ابن أبي إسحاق وابن أبي عبلة ويعقوب «ولا يغرنكم » خفيفة النون .


[9390]:قال بعض المفسرين: "لما كان الوالد أكثر شفقة على الولد من الولد على أبيه بدأ به أولا، وأتى في الإسناد إلى الوالد بالفعل المضارع المقتضي للتجدد؛ لأن شفقته على الولد متجددة في كل حال، وأتي في الإسناد إلى الولد باسم الفاعل لأنه يدل على الثبوت، والثبوت يصدق بالمرة الواحدة".
[9391]:هو سماك –بكسر السين وتخفيف الميم- بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي، أبو المغيرة، صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة، فكان بما يلقن، من الرابعة، مات سنة ثلاث وعشرين. (تقريب التهذيب).
[9392]:أما عن اضطراب النحاة في إعراب [مولود] فقد نص أبو حيان في البحر على جواز وجهين في إعرابه: أحدهما أن يكون معطوفا على [والد]، والجملة في قوله: {هو جاز} صفة [مولود]. والثاني أن يكون مبتدأ ثانيا، , {هو جاز} خبره، والجملة خبر الأول، وأما ما ذكره المهدوي من أنه لا يكون مبتدأ لأنه نكرة وما بعده صفة له فيبقى بغير خبر –فقد أجاب عنه أيضا أبو حيان بقوله: "وجاز الابتداء به وهو نكرة لوجود مسوغ ذلك وهو النفي، وذهل المهدوي فقال...الخ".