المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

45- يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم جماعة مقاتلة من أعدائكم فاثبتوا ولا تفروا ، واذكروا الله متمثلين قدرته وحسن وعده بنصر المؤمنين ، مكثرين في ذلك الذكر مع الثبات والصبر ، فإنكم إن فعلتم ذلك كان رجاؤكم للفلاح محققاً{[75]} .


[75]:في الآيات الكريمة تنبيه لضرورة الثبات في وجه العدو، وأن العبد ينبغي ألا يشغله شيء عن ذكر الله، وأن يلتجئ إلى الله عند الشدائد، وفي ذلك أيضا تنبيه إلى أهمية التدين والإيمان في رفع الروح المعنوية والثبات، وفي الآيات إيضاح لأهمية الطاعة وتنفيذ ما أمر الله ورسوله به حتى لا يدب الفشل نتيجة الفرقة، كما ينبغي عدم التفاخر والتباهي بالعظمة والانصراف إلى التظاهر بالشجاعة والسماحة والرياء.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

وبعد هذا التذكير النافع ، والتصوير المؤثر لأحداث غزوة بدر ، وجه - سبحانه - في هذه السورة إلى المؤمنين النداء السادس والأخير ، حيث أمرهم بالثبات في وجه أعدائهم ، وبالمداومة على ذكره وطاعته . . ونهاهم عن التنازع والاختلاف فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمنوا . . . مَعَ الصابرين } .

وقوله : { لَقِيتُمْ } من اللقاء بمعنى المقابلة والمواجهة ، ويغلب استعماله في لقاء القتال وهو المراد هنا .

وقوله : { فِئَةً } أى : جماعة . مشتقة من الفئ بمعنى الرجوع ، لأن بعضهم يرجع إلى بعض .

والمراد بها هنا : جماعة المقاتلين من الكافرين وأشباههم .

والمتتبع لاستعمال القرآن لهذه الكلمة ، يراه يستعملها - في الأعم الأغلب - في الجماعة المقاتلة أو الناصرة أو ما يشبه ذلك .

قال - تعالى - : { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله . . . } وقال - تعالى - : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ التقتا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ . . . } وقال - تعالى - : { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } والمعنى : يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } أى : حاربتم جماعة من أعدائكم ، فاثبتوا لقتالهم وأغلظوا عليهم في النزال ، ولا تولوهم الأدبار ، { فاثْبُتُواْ واذكروا الله كَثِيراً } لا سيما في مواطن الحرب ، فإن ذكر الله عن طريق القلب واللسان من أعظم وسائل النصر : لأن المؤمن متى استحضر عظمه الله في قلبه لا تهوله قوة عدوه ، ولا تخيفه كثرته . .

وقوله { لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ } أى : لعلكم تظفرون بمرادكم من النصر وحسن الثواب ، متى فعلتم ذلك عن إخلاص .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلَحُونَ } .

وهذا تعريف من الله جلّ ثناؤه أهل الإيمان به السيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والأفعال التي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم ، ثم يقول جلّ ثناؤه لهم : يا أيها الذين آمنوا ، صدّقوا الله ورسوله إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال ، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين ، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة منكم . وَاذْكُرُوا الله كَثيرا يقول : وادعوا الله بالنصر عليهم والظفر بهم ، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره . لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول : كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم ، ويرزقكم الله النصر والظفر عليهم . كما :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً يقاتلونكم في سبيل الله ، فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا اذكروا الله الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم ، لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (45)

هذا أمر بما فيه داعية النصر وسبب العز ، وهي وصية من الله متوجهة بحسب التقييد التي في آية الضعف{[5386]} ، ويجري مع معنى الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا »{[5387]} .

قال القاضي أبو محمد : وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في ولاية الإمارة والقضاء لا يطلب ولا يتمنى ، فإن ابتلي صبر على إقامة الحق ، و «الفئة » الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت ، ثم أمر الله تعالى بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر{[5388]} المستعين ، قال قتادة : افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال رديء مكروه إذا كان إلغاطاً{[5389]} ، فأما إن كان من الجمع عند الحملة فحسن فاتٌّ في عضد العدو ، وقال قيس بن عباد : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث : عند قراءة القرآن وعند الجنازة والقتال ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث »{[5390]} ، وقال ابن عباس يكره التلثم عند القتال .

قال القاضي أبو محمد : ولهذا والله أعلم يتسنن{[5391]} المرابطون بطرحه عند القتال على ضنانتهم به و { تفلحون } تنالون بغيتكم وتبلغون آمالكم ، وهذا مثل قول لبيد : [ الرجز ]

أفلح بما شئت فقد يبلغ بالضْ*** ضعف وقد يخدع الأريب{[5392]}


[5386]:- هي قوله تعالى في الآية (66) من هذه السورة: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا}.
[5387]:- قال ابن كثير في تفسيره: "ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدوّ حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقل: (يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم). ثم نقل عن عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر مثله. (تفسير ابن كثير 3/ 329، 330).
[5388]:- الوزر: الملجأ والمعتصم (المعجم الوسيط)
[5389]:- اضطربت الأصول في هذه الجملة- ففي بعضها:" إذا كان إلغاطا"، وفي بعضها: إذا كان الغايط واحدا، والصواب ما ذكره محقق القرطبي ناقلا عن ابن عطية: "إذا كان الذكر واحدا، فأما إن كان من الجميع...الخ".
[5390]:- أخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثنتان لا تردان، الدعاء عند النداء وعند البأس، حين يلحم بعضهم بعضا) (الدر المنثور).
[5391]:- وأيضا اضطربت الأصول في هذه الجملة، ففي بعضها: "يتسنن"، وفي بعضها "استنّ"- والتصويب عن القرطبي الذي قال: "والتصويب عن تفسير ابن عطية"، والمراد أن المرابطين آثروا التبرك بترك اللثام عند القتال على شدة تمسكهم به.
[5392]:- المعروف أن البيت لعبيد بن الأبرص، وهو من قصيدته المشهورة- على الرغم مما فيها من اضطراب فني- والتي يقول مطلعها: أقفر من أهله ملحوب فالقطيبات، فالذنوب وأفلح بما شئت: عش به. والأريب: العاقل. ورواية الديوان: "فقد يدرك"، ويروى: "بالنّوك" بدلا من "بالضعف". والمعنى: عش كما تشاء فلربما نال الضعيف بضعفه مالا يناله القوي بقوته. هذا وقد سبق الاستشهاد به عند تفسير قوله تعالى: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا} الآية (22) من سورة (الأنعام).