المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

56- يا عبادي الذين صدَّقوا بي وبرسولي : إنّ أرضى واسعة لمن أراد أن يفر عن مواطن الشرك . ففروا إلى مخلصين لي العبادة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

وبعد أن بين - سبحانه - سوء عاقبة المكذبين ، الذين استعجلوا العذاب لجهلهم وعنادهم ، أتبع ذلك بتوجيه نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بالثبات على الحق ، فقال - تعالى - : { الذين عَاهَدْتَّ . . . وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } .

قال الإِمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { ياعبادي الذين آمنوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } : هذا أمر من الله - تعالى - لعباده المؤمنين ، بالهجرة من البلد الذى لا يقدرون فيه على إقامة الدين ، إلى أرض الله الواسعة ، حيث يمكن إقامة الدين ، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم . .

روى الإِمام أحمد عن أبى يحيى مولى الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله ، فحيثما أصبت خيراًً فأقم " .

ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها ، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ، ليأمنوا على دينهم هناك . . . ثم بعد ذلك ، هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة . .

وفى ندائهم بقوله : { ياعبادي } وفى وصفهم بالإِيمان ، تكريم وشتريف لهم ، حيث أضافهم - سبحانه - إلى ذاته ، ونعتم المحبب إلى قلوبهم .

وقوله : { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } تحريض لهم على الهجرة من الأرض التى لا يتمكنون فيها من إقامة شعائر دينهم ، فكانه - سبحانه - يقول لهم : ليس هناك ما يجبركم على الإقامة فى تلك الأرض التى لا قدرة لكم فيها على إظهار دينكم ، بل أخرجوا منها فإن أرضى واسعة ، ومن خرج من أجل كلمة الله ، رزقه الله - تعالى - من حيث لا يحتسب .

ومن المفسرين الذين أجادوا فى شرح هذا المعنى ، صاحب الكشاف - رحمه الله - فقد قال : ومعنى الآية : أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة فى بلد هو فيه ، ولم يتمش له أمر دينه كما يحب ، فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلباً ، وأصح دينا ، وأكثر عبادة . .

ولعمرى إن البقاع تتفاوت فى ذلك التفاوت الكير ، ولقد جربنا وجرب أولونا ، فلم نجد فيما درنا وداروا : أعون على قهر النفس ، وعصيان الشهوة ، وأجمع للقلب المتلفت ، وأضم للهم المنتشر ، وأحث على القناعة ، وأطرد للشيطان ، وأبعد عن الفتن . . من سكنى حرم الله ، وجوار بيت الله ، فلله الحمد على سهل من ذلك وقرب . .

والفاء فى قوله - تعالى - { فَإِيَّايَ فاعبدون } بمعنى الشرط ، وإياى منصوب بفعل مضمر ، قد استغنى عنه بما يشبه . أى : فاعبدوا إياى فاعبدون .

والمعنى : إن ضاق بكم مكان ، فإياى فاعبدوا ، لأن أرضى واسعة ، ولن تضيق بكم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَعِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ } .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده : يا عبادي الذين وحّدوني وآمنوا بي وبرسولي محمد صلى الله عليه وسلم إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أريد من الخبر عن سعة الأرض ، فقال بعضهم : أريد بذلك أنها لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحلّ لكم المُقام فيه ، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره ، فاهرُبوا منه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : إذا عمِل فيها بالمعاصي ، فاخرج منها .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن سعيد بن جُبَير ، في قوله إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : إذا عمل فيها بالمعاصي ، فاخرج منها .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن رجل ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : اهرُبوا فإن أرضي واسعة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن منصور ، عن عطاء ، قال : إذا أمِرتم بالمعاصي فاهرُبوا ، فإن أرضي واسعة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور ، عن عطاء إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : مجانبة أهل المعاصي .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ ، فهاجروا وجاهدوا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله يا عِبادِيَ الّذِينَ آمَنُوا إنّ أرضِي وَاسِعَةٌ فإيّايَ فاعْبُدُونِ فقلت : يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين ، فقال : نعم .

وقال آخرون : معنى ذلك : إن ما أخرج من أرضي لكم من الرزق واسع لكم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثني زيد بن الحباب ، عن شدّاد بن سعيد بن مالك أبي طلحة الراسبي عن غَيْلان بن جرير المِعْولي ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير العامري ، في قول الله : إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ : قال : إن رزقي لكم واسع .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن شدّاد ، عن غَيلان بن جرير ، عن مُطَرّف بن الشّخّير إنّ أرْضِي وَاسِعَةٌ قال : رزقي لكم واسع .

وأولى القولين بتأويل الاَية قول من قال : معنى ذلك : إن أرضي واسعة ، فاهربوا ممن منعكم من العمل بطاعتي لدلالة قوله فإيّايَ فاعْبُدُونِ على ذلك ، وأن ذلك هو أظهر معنييه ، وذلك أن الأرض إذا وصفها بِسعَة ، فالغالب من وصفه إياها بذلك ، أنها لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع ، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب .

وقوله : فإيّايَ فاعْبُدُونِ يقول : فأخلِصوا إلى عبادتكم وطاعتكم ، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

{ يا عبادي الذين آمنوا أن أرضي واسعة فإياي فاعبدون } أي إذا لم يتسهل لكم العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك ، وعنه عليه الصلاة والسلام : " من فر بدينه من أرض إلى أرض ولو كان شرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم محمد عليهما السلام " . والفاء جواب شرط محذوف إذ المعنى إن أرضي واسعة أن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها في غيرها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَٱعۡبُدُونِ} (56)

هذه الآيات نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة ، فأخبرهم تعالى بسعة أرضه وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب ، بل الصواب أن تلتمس عبادة الله في أرضه ، وقال ابن جبير وعطاء ومجاهد : إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية وتلزم الهجرة عنها إلى بلد حق ، وقاله مالك ، وقال مطرف بن الشخير{[9270]} قوله { إن أرضي واسعة } عدة بسعة الرزق في جميع الأرض ، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «يا عباديَ » بفتح الياء ، وقرأ ابن عامر وحده «إن أرضيَ » بفتح الياء أيضاً ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بسكونها ، وكذلك قرأ نافع وعاصم «أرضي » ساكنة ، وقوله تعالى : { فإياي } منصوب بفعل مقدر يدل عليه الظاهر تقديره { فإياي } اعبدوا { فاعبدون }{[9271]} على الاهتمام أيضاً في التقديم .


[9270]:مطرف بن عبد الله بن الشخير، العامري، الحرشي، أبو عبد الله البصري، قال عنه الحافظ بن حجر في التقريب: ثقة عابد فاضل من الثانية، مات سنة خمس وسبعين.
[9271]:هو من باب الاشتغال ، وعلى ذلك فالتقدير: فاعبدوا إياي فاعبدون.