المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا} (5)

5- وليس عندهم علم بذلك ولا عند آبائهم من قبل ، فما أعظم الافتراء في هذه الكلمة التي تجرءوا على إخراجها من أفواههم ! ما يقولون : إلا افتراء ليس بعده افتراء .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا} (5)

وقوله - تعالى - : { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ } توبيخ لهم على تفوههم بكلام يدل على إيغالهم فى الجهل والبهتان .

أى : ما نسبوه إلى الله - تعالى - من الولد ، ليس لهم بهذه النسبة علم ، وكذلك ليس لآبائهم بهذه النسبة علم ، لأن ذلك مستحيل له - تعالى - ، كما قال - عز وجل - :

{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الجن وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السماوات والأرض أنى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } و " من " فى قوله : { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } مزيدة لتأكيد النفى ، والجملة مستأنفة ، و " لهم " خبر مقدم ، و { من علم } مبتدأ مؤخر ، وقوله { ولا لآبائهم } معطوف على الخبر .

أى : ما لهم بذلك شئ من العلم أصلا ، وكذلك الحال بالنسبة لآبائهم ، فالجملة الكريمة تنفى ما زعموه نفيا يشملهم ويشمل الذين سبقوهم وقالوا قولهم .

قال الكرخى : فإن قيل : اتخاذ الولد محال فى نفسه ، فكيف قال : { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ؟ } فالجواب أن انتفاء العلم بالشئ قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه ، وقد يكون لأنه فى نفسه محال لا يمكن تعلق العلم به ، ونظيره قوله - تعالى - : { وَمَن يَدْعُ مَعَ الله إِلَهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } وقوله - تعالى - : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } ذم شديد لهم على ما نطقوا به من كلام يدل على فرط جهلهم ، وعظم كذبهم .

وكبر : فعل ماض لإِنشاء الذم ، فهو من باب نعم وبئس ، وفاعله ضمير محذوف ، مفسّر بالنكرة بعده وهى قوله { كلمة } المنصوبة على أنها تمييز ، والمخصوص بالذم محذوف .

والتقدير : كبرت هى كلمة خارجة من أفواههم تلك المقالة الشنعاء التى تفوهوا بها ، وهى قولهم : اتخذ الله ولدا فإنهم ما يقولون إلا قولا كاذبا محالا على الله - تعالى - ومخالفا للواقع ؛ ومنافيا للحق والصواب .

وفى هذا التعبير ما فيه من استعظام قبح ما نطقوا به ، حيث وصفه - سبحانه - بأنه مجرد كلام لاكته ألسنتهم ، ولا دليل عليه سوى كذبهم وافترائهم .

قال صاحب الكشاف : قوله { كبرت كلمة } قرئ ، كبرت كلمة بالرفع على الفاعلية ، وبالنصب على التمييز ، والنصب أقوى وأبلغ ، وفيه معنى التعجب كأنه قيل : ما أكبرها كلمة .

وقوله { تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } صفة للكلمة تفيد استعظاما لاجترائهم على النطق به ، وإخراجها من أفواههم ، فإن كثيرا مما يوسوسه الشيطان فى قلوب الناس ويحدثون أنفسهم به من المنكرات ، لا يتمالكون أن يتفوهوا به ، ويطلقوا به ألسنتهم ، بل يكظمون عليه تشوُّرًا من إظهاره ؛ فكيف بهذا المنكر ؟

فإن قلت : إلام يرجع الضمير فى { كبرت } ؟ قلت : إلى قولهم اتخذ الله ولدا . وسميت كلمة كما يسمون القصيدة بها .

وشبيه بهذه الآية فى استعظام ما نطقوا به من قبحٍ قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السماوات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن وَلَداً وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٖ وَلَا لِأٓبَآئِهِمۡۚ كَبُرَتۡ كَلِمَةٗ تَخۡرُجُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبٗا} (5)

وقوله : ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ يقول : ما لقائلي هذا القول ، يعني قولهم اتّخَذَ اللّهُ وَلَدا بِهِ : يعني بالله من علم ، والهاء في قوله بِهِ من ذكر الله . وإنما معنى الكلام : ما لهؤلاء القائلين هذا القول بالله ، إنه لا يجوز أن يكون له ولد من علم ، فلجهلهم بالله وعظمته قالوا ذلك .

وقوله : ولاَ لاَبائِهِمْ يقول : ولا لأسلافهم الذين مضوا قبلهم على مثل الذي هم عليه اليوم ، كان لهم بالله وبعظمته علم . وقوله : كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدنيين والكوفيين والبصريين : كَبُرَتْ كَلِمَةً بنصب كلمةً بمعنى : كبُرت كلمتهم التي قالوها كلمةً على التفسير ، كما يقال : نعم رجلاً عمرو ، ونعم الرجل رجلاً قام ، ونعم رجلاً قام . وكان بعض نحويّي أهل البصرة يقول : نُبت كلمةً لأنها في معنى : أكْبِر بها كلمة ، كما قال جلّ ثناؤه وَسَاءتْ مُرْتَفَقا وقال : هي في النصب مثل قول الشاعر :

ولقدْ عَلِمْتُ إذَا اللّقاحُ تَرَوّحتْ *** هَدَجَ الرّئالِ تَكُبّهُنّ شَمالا

أي تكبهنّ الرياح شمالاً . فكأنه قال : كبرت تلك الكلمة . وذُكِر عن بعض المكيين أنه كان يقرأ ذلك : «كَبُرَتْ كَلِمَةٌ » رفعا ، كما يقال : عَظُم قولُك وكَبُر شأنُك . وإذا قرىء ذلك كذلك لم يكن في قوله كَبُرَتْ كَلِمَةً مُضمر ، وكان صفة للكلمة .

والصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأ : كَبُرَتْ كَلِمَةً نصبا لإجماع الحجة من القرّاء عليها ، فتأويل الكلام : عَظُمت الكلمة كلمة تخرج من أفواه هؤلاء القوم الذين قالوا : اتخذ الله ولدا ، والملائكة بنات الله ، كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ قولهم : إن الملائكة بنات الله .

وقوله : إنْ يَقُولُونَ إلاّ كَذِبا يقول عزّ ذكره : ما يقول هؤلاء القائلون اتخذ الله ولدا بقيلهم ذلك إلا كذبا وفرية افتروها على الله .