16- وقال بعضهم لبعض : ما دمنا قد اعتزلنا القوم في كفرهم وشركهم فالجأوا إلى الكهف فراراً بدينكم ، يبسط لكم ربكم من مغفرته ، ويسهل لكم من أمركم ما تنتفعون به{[120]} من مرافق الحياة .
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك ما تناجوا به فيما بينهم ، بعد أن وضح موقفهم وضوحا صريحا حاسما ، وبعد أن أعلنوا كلمة التوحيد بصدق وقوة . . فقال - تعالى - : { وَإِذِ اعتزلتموهم وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله فَأْوُوا إِلَى الكهف يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } .
و " إذ " يبدو أنها هنا للتعليل . والاعتزال : تجنب الشئ سواء أكان هذا التجنب بالبدن أم بالقلب . و " ما " فى قوله { وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله } اسم موصول فى محل نصب معطوف على الضمير فى قوله { اعتزلتموهم } وقوله : { إلا الله } استثناء متصل ، بناء على أن القوم كانوا يعبدون الله - تعالى - ويشكرون معه فى العبادة الأصنام . و " من " قالوا إنها بمعنى البدلية .
وقوله : { مرفقاً } من الارتفاق : بمعنى الانتفاع ، وقرأ نافع وابن عامر مرفقا - بفتح الميم وكسر الفاء .
القول في تأويل قوله تعالى { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاّ اللّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبّكُم مّن رّحْمَتِهِ وَيُهَيّىءْ لَكُمْ مّنْ أَمْرِكُمْ مّرْفَقاً } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل بعض الفتية لبعض : وإذا اعتزلتم أيها الفتية قومكم الذين اتخذوا من دون الله آلهة وَما يَعْبُدُونَ إلاّ اللّهَ يقول : وإذا اعتزلتم قومكم الذين يعبدون من الاَلهة سوى الله ، ف «ما » إذ كان ذلك معناه في موضع نصب عطفا لها على الهاء ، والميم التي في قوله وإذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله وَإذَ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إلاّ اللّهَ وهي في مصحف عبد الله : «وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ » هذا تفسيرها .
وأما قوله : فَأْوُوا إلى الكَهْفِ فإنه يعني به : فصيروا إلى غار الجبل الذي يسمّى بنجلوس ، يَنْشُرْ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول : يبسط لكم ربكم من رحمته بتيسيره لكم المخرج من الأمر الذي قد رُمِيتم به من الكافر دقينوس وطلبه إياكم لعرضكم على الفتنة .
وقوله : فَأْوُوا إلى الكَهْفِ جواب لإذ ، كأن معنى الكلام : وإذ اعتزلتم أيها القوم قومكم ، فأْوُوا إلى الكهف كما يقال : إذ أذنبت فاستغفر الله وتب إليه .
وقوله : ويُهَيّىءْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا يقول : وييسر لكم من أمركم الذي أنتم فيه من الغمّ والكرب خوفا منكم على أنفسكم ودينكم مرفقا ، ويعني بالمرفق : ما ترتفقون به من شيءْ . وفي المرفق من اليد وغير اليد لغتان : كسر الميم وفتح الفاء ، وفتح الميم وكسر الفاء . وكان الكسائي يُنكر في مِرْفَق الإنسان الذي في اليد إلا فتح الفاء وكسر الميم . وكان الفرّاء يحكي فيهما ، أعني في مرفق الأمر واليد اللغتين كلتيهما ، وكان ينشد في ذلك قول الشاعر :
*** بتّ أُجافِي مِرْفَقا عَنْ مِرْفَقِي ***
وكان بعض نحويّي أهل البصرة يقول في قوله : مِنْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا شيئا ترتفقون به مثل المقطع ، ومرفقا جعله اسما كالمسجد ، ويكون لغة ، يقولون : رفق يَرْفُق مَرْفقا ، وإن شئت مَرْفقا تريد رفقا ولم يُقْرأ .
وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك . فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة : «ويُهَيّىءْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مَرْفِقا » بفتح الميم وكسر الفاء ، وقرأته عامّة قرّاء العراق في المصرين مِرْفَقا بكسر الميم وفتح الفاء .
القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان بمعنى واحد ، قد قرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء من أهل القرآن ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . غير أن الأمر وإن كان كذلك ، فإن الذي أختار في قراءة ذلك : ويُهَيّىءءْ لَكُمْ أمْرِكُمْ مِرْفَقا بكسر الميم وفتح الفاء ، لأن ذلك أفصح اللغتين وأشهرهما في العرب ، وكذلك ذلك في كلّ ما ارتُفق به من شيء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.