وقوله - تعالى - { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } تعليل للأمر بقيام الليل ، وهو كلام معترض بين قوله - سبحانه - { قُمِ الليل . . } وبين قوله - تعالى - بعد ذلك : { إِنَّ نَاشِئَةَ الليل . . . } .
والمراد بالقول الثقيل : القرآن الكريم الذى أنزله - سبحانه - على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم .
ويشهد لثقل القرآن على النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ، منها : ما رواه الإِمام البخارى من أن السيدة عائشة قالت : ولقد رأيته صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحى ، فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا .
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " ما من مرة يوحَى إلى ، إلا ظننت أن نفسى تفيض " - أى : تخرج . .
ونمها قول زيد بن ثابت : أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ من القرآن - وفخذه على فخذى فكادت تُرَض فخذى - أى : تتكسر . .
ومنها ما رواه هشام بن عروة عن أبيه ، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحى عليه وهو على ناقته ، وضعت جرانها - أى باطن عنقها - فما تستطيع أن تتحرك ، حتى يُسَرَّى عنه .
أى : قم - أيها الرسول الكريم - الليل إلا قليلا منه متعبدا لربك ، متقربا إليه بألوان الطاعات ، فإنا سنلقى عليك قولا ثقيلا ، وهذا القول هو القرآن الكريم ، الثقيل فى وزنه وفى ميزان الحق ، وفى أثره فى القلوب ، وفيما اشتمل عليه من تكاليف ، وصدق الله إذا يقول : { لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله . . . } قال الجمل : قوله : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } أى : كلاما عظيما جليلا ذا خطر وعظمة ، لأنه كلام رب العالمين ، وكل شئ له خطر ومقدار فهو ثقيل .
أو هو ثقيل لما فيه من التكاليف ، والوعد والوعيد ، والحلال والحرام ، والحدود والأحكام .
قال قتادة : ثقيل والله فى فرائضه وحدوده . . وقال محمد بن كعب : ثقيل على المنافقين ، لأنه يهتك أسرارهم . . وقال السدى : ثقيلا بمعنى كريم ، مأخوذ من قولهم : فلان ثقل علىَّ ، أى كرم على . . وقال ابن المبارك : هو والله ثقيل مبارك ، كما ثقل فى الدنيا ، ثقل فى الميزان يوم القيامة .
وقيل : ثقيلا بمعنى أن العقل الواحد لا يفى بإدراك فوائده ومعانيه ، فالمتكلمون غاصوا فى بحار معقولانه ، والفقهاء بحثوا فى أحكامه . . والأولى أن جميع هذه المعانى فيه .
وقيل : المراد بالقول الوحى ، كما فى الخبر ، أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحى إليه ، وهو على ناقته وضعت جرانها - أى : وضعت صدرها على الأرض - فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه . .
ويبدو لنا أن وصف القرآن بالثقل وصف حقيقى ، لما ثبت من ثقله على النبى صلى الله عليه وسلم وقت نزوله عليه . . وهذا لا يمنع أن ثقله يشمل ما اندرج فيه من علوم نافعة ، ومن هدايات سامية ، ومن أحكام حكيمة ، ومن آداب قويمة ، ومن تكاليف جليلة الشأن .
وعبر - سبحانه - عن إيحائه بالقرآن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالإِلقاء للإِشعار بأنه يلقى إليه على غير ترقب منه صلى الله عليه وسلم ، بل ينزل إليه فى الوقت الذى يريده سبحانه - وللإِشارة من أول الأمر إلى ما يوحى إليه شئ عظيم وشديد الوقع على النفس .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنّ نَاشِئَةَ اللّيْلِ هِيَ أَشَدّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنّ لَكَ فِي النّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } .
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلاً ثَقِيلاً فقال بعضهم : عُني به إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً العمل به . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً قال : العمل به ، قال : إن الرجل لَيَهُذّ السورة ، ولكنّ العمل به ثقيل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ثقيل والله فرائضه وحدوده .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله ثَقِيلاً قال : ثقيل والله فرائضه وحدوده .
وقال آخرون : بل عني بذلك أن القول عينه ثقيل محمله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّي عنه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً قال : هو والله ثقيل مبارك القرآن ، كما ثقل في الدنيا ثَقُل في الموازين يوم القيامة .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله وصفه بأنه قول ثقيل ، فهو كما وصفه به ثقيل محمله ثقيل العمل بحدوده وفرائضه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.