تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (258)

{ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } ، وهو نمروذ بن كنعان بن ريب بن نمروذ ابن كوشى بن نوح ، وهو أول من ملك الأرض كلها ، وهو الذي بنى الصرح ببابل ، { أن آتاه الله } ، يقول : أن أعطاه الله { الملك } ، وذلك أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين كسر الأصنام سجنه نمروذ ، ثم أخرجه ليحرقه بالنار ، فقال لإبراهيم ، عليه السلام : من ربك { إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت } ، وإياه أعبد ومنه أسأل الخير ، { قال } نمروذ { أنا أحيي وأميت } قال له إبراهيم : أرني بيان الذي تقول ، فجاء برجلين فقتل أحدهما ، واستحيا الآخر ، وقال : كان هذا حيا فأمته وأحييت هذا ولو شئت قتلته ، { قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت } الجبار { الذي كفر } بتوحيد الله عز وجل ، يقول : بهت نمروذ الجبار ، فلم يدر ما يرد على إبراهيم .

ثم إن الله عز وجل سلط على نمروذ بعوضة ، بعدما أنجى الله عز وجل إبراهيم من النار ، فعضت شفته ، فأهوى إليها ، فطارت في منخره ، فذهب ليأخذها فدخلت خياشيمه ، فذهب يستخرجها ، فدخلت دماغه ، فعذبه الله عز وجل بها أربعين يوما ، ثم مات منها ، وكان يضرب رأسه بالمطرقة ، فإذا ضرب رأسه سكنت البعوضة ، وإذا رفع عنها تحركت ، فقال الله سبحانه : وعزتي وجلالي لا تقوم الساعة حتى آتِيَ بها ، يعني الشمس من قِبَلِ المغرب ، فيعلم من يرى ذلك أني أنا الله قادر على أن أفعل ما شئت ، ثم قال سبحانه : { والله لا يهدي القوم الظالمين } إلى الحجة ، يعني نمروذ ، مثلها في براءة : { وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين } ( التوبة : 19 ) إلى الحجة .