قوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ) [ 257 ] .
ألِف ( أَلَمْ ) ألِفُ توقيف لفظها( {[8401]} ) . لفظ الاستفهام ، وفيها معنى التعجب والتنبيه على ما يتعجب منه( {[8402]} ) .
والهاء في ( رَبِّهِ ) تعود على ( الذِي ) ، أو على إبراهيم صلى الله عليه وسلم( {[8403]} ) .
ومعنى( {[8404]} ) : ألم تعلم ، ألم تر بقلبك يا محمد .
قوله : ( أَنَ اتَاهُ( {[8405]} ) اللَّهُ المُلْكَ ) [ 257 ] .
الهاء تعود على [ الكافر الملك ]( {[8406]} ) وعليه أكثر الناس( {[8407]} ) .
وقيل : هي( {[8408]} ) تعود على إبراهيم صلى الله عليه وسلم( {[8409]} ) .
/ والذي حاج إبراهيم هو نمروذ( {[8410]} ) بن كنعان بن كوشب بن( {[8411]} ) سام بن نوح . قاله مجاهد( {[8412]} ) .
قال قتادة : " نمروذ ، صاحب الصرح( {[8413]} ) ، وهو أول من تجبر في الأرض ببابل( {[8414]} ) " . أخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه القصص ليكون ذلك عبرة( {[8415]} ) وتعجباً مما كان ، وليكون حجة على أهل الكتاب ومشركي العرب لأنه نبأ لا يعلمه إلا من قرأ الكتب ودرسها ، أو من يوحى إليه ، فلما لم يكن محمد عليه السلام عندهممن( {[8416]} ) يقرأ( {[8417]} ) [ الكتاب فينقل منها ، وجب أن يكون ذلك ]( {[8418]} ) بوحي ، فيجب قبول( {[8419]} ) قوله ، والإيمان به ضرورة لمن وفق .
قال مجاهد : " نمروذ( {[8420]} ) ، هو أحد الأربعة الذين ملكوا الأرض كلها : كافرَيْن ومؤمنَيْن ، فالمؤمنان : سليمان بن( {[8421]} ) داود صلى الله عليه وسلم ، وذو القرنين عليه السلام . والكافران : نمروذ( {[8422]} ) ، وبخت نصر البابلي( {[8423]} ) " .
قوله : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ )( {[8424]} ) [ 257 ] .
أي( {[8425]} ) حين قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت : أي يملك ذلك ولا يملكه أحد غيره ، قال( {[8426]} ) نمروذ : " أنا أحيي وأميت ، أستحيي من أردت قتله وأقتل آخر( {[8427]} ) " .
قال له( {[8428]} ) إبراهيم : " فإن الله يأت بالشمس من مشرقها( {[8429]} ) ، فأت بها/إن كنت صادقاً من مغربها " .
قال الله : ( فَبُهِتَ الذِي كَفَرَ ) [ 257 ] .
أي الكافر ، أي انقطع وعجز عن الجواب . وقرئ : " فَبَهَتَ الَّذِي كَفَرَ " أي فبهتَ إبراهيمُ الكافرَ ف " الذي " ( {[8430]} ) في موضع نصب ، على هذه القراءة( {[8431]} ) .
قال( {[8432]} ) قتادة : " دعا نمروذ/برجلين فقتل أحدهما واستحيى الآخر( {[8433]} ) ، وقال : أنا( {[8434]} ) أحيي وأميت . فقال له إبراهيم : " فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب . /فبهت الذي كفر( {[8435]} ) " فلم يجب( {[8436]} ) لأنه لو ادعى أنه [ هو الذي يأتي ]( {[8437]} ) بالشمس من المشرق( {[8438]} ) لكذبه( {[8439]} ) جميع أهل مملكته ، لأنهم( {[8440]} ) يعرفون أنه محدث ، والشمس كانت على حالها قبل حدوثه ، فليس يقدر أن يقول : أنا أتيت بها من المشرق قبل حدوثي ، ولو قال : أنا آتي بها من المغرب لعجز عن ذلك . فلما رآى أنه لا مخرج له سكت وانقطع فبهت .
قال زيد بن( {[8441]} ) أسلم : " كان الناس يمتارون( {[8442]} ) من عند نمروذ طعاماً ، وكان أول جبار في( {[8443]} ) الأرض ، فخرج إبراهيم يمتار مع الناس فكلما مر بنمروذناس( {[8444]} ) قال لهم : من ربكم ؟ قالوا( {[8445]} ) : أنت . حتى مر به إبراهيم عليه السلام( {[8446]} ) ، فقال له نمروذ : من ربك ؟ قال : الذي يحيي ويميت . قال : أنا أحيي وأميت . قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب . فبهت الذي كفر ، ورد إبراهيم بغير طعام . فرجع إبراهيم عليه السلام( {[8447]} ) إلى أهله ، فمر( {[8448]} ) على كثيب أعفر( {[8449]} ) –يعني من رمل- فقال : ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي ، فتطيب أنفسهم( {[8450]} ) حين أدخل عليهم . فأخذ منه فأتى أهله فوضع متاعه ثم نام . فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته( {[8451]} ) ، فإذا( {[8452]} ) هي بأجود طعام رأى أحد ، فصنعت له منه ، فقربته إليه . وكان قد عهد أهله ليس عندهم طعام ، فقال : من أين هذا ؟ قالوا : من الطعام الذي/جئت به . فعلم أن الله عز وجل قد رزقه [ فحمد الله تعالى ]( {[8453]} ) ، ثم بعث الله جل وعز ذكره إلى نمروذ ملكاً يقول له( {[8454]} ) : أن آمن بي [ وأتركك ]( {[8455]} ) على ملكك ، قال : وهل رب غيري ؟ ، فجاء الثانية فقال له فأبى عليه ، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه . فقال له الملك : اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام . فجمع الجبار جموعه ، وأمر الله عز وجل الملك ففتح عليهم( {[8456]} ) باباً من البعوض ، فطلعت الشمس ولم يروها من كثرتها ، فبعثها الله سبحانه عليهم ، فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ، ولم يبق إلا [ العظام ، والملك كما هو لم يصبه ]( {[8457]} ) من ذلك شيء ، فبعث الله عز وجل عليه( {[8458]} ) بعوضة فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، فأرحم( {[8459]} ) الناس به من جمع( {[8460]} ) يديه ثم يضرب بهما رأسه ، وكان قد تجبر أربعمائة سنة فعذبه الله بها أربعمائة سنة وأماته( {[8461]} ) " .
وقال السدي : " لما أخرج( {[8462]} ) إبراهيم صلى الله عليه وسلم من النار ، أدخل على الملك( {[8463]} ) ، ولم يره قبل ذلك ، فقال له : من ربك ؟ قال إبراهيم : ربي( {[8464]} ) الذي يحيي ويميت . فلما قال له إبراهيم : فإن الله يأتي الشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب فبهت وقال( {[8465]} ) : إن هذا إنسان مجنون ، فأخرجوه ، ألا ترون أنه اجترأ على آلهتكم ، وأن النار لا تأكله . وخشي الملعون الفضيحة من قومه فأخرجوه ، وهو قوله : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ )( {[8466]} ) " ( {[8467]} ) .
قوله : ( وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [ 257 ] .
أي لا يهديهم للحجة عند الخصومة لما هم/عليه من الضلالة قاله ابن اسحاق( {[8468]} ) . وليس ( الظالمين ) بوقف ، لأن ( أو كالذي ) معطوف عليه( {[8469]} ) .
/قال الفراء والكسائي : " معنى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ ) : هل رأيت كالذي حاج ، أو كالذي مر على قرية ، فهو معطوف عليه " ( {[8470]} ) . وقيل : الكاف زائدة ، والمعنى : " ألم تر إلى الذي حاج أو الذي مر على قرية( {[8471]} ) " .