الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (258)

قوله : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ) [ 257 ] .

ألِف ( أَلَمْ ) ألِفُ توقيف لفظها( {[8401]} ) . لفظ الاستفهام ، وفيها معنى التعجب والتنبيه على ما يتعجب منه( {[8402]} ) .

والهاء في ( رَبِّهِ ) تعود على ( الذِي ) ، أو على إبراهيم صلى الله عليه وسلم( {[8403]} ) .

ومعنى( {[8404]} ) : ألم تعلم ، ألم تر بقلبك يا محمد .

قوله : ( أَنَ اتَاهُ( {[8405]} ) اللَّهُ المُلْكَ ) [ 257 ] .

الهاء تعود على [ الكافر الملك ]( {[8406]} ) وعليه أكثر الناس( {[8407]} ) .

وقيل : هي( {[8408]} ) تعود على إبراهيم صلى الله عليه وسلم( {[8409]} ) .

/ والذي حاج إبراهيم هو نمروذ( {[8410]} ) بن كنعان بن كوشب بن( {[8411]} ) سام بن نوح . قاله مجاهد( {[8412]} ) .

قال قتادة : " نمروذ ، صاحب الصرح( {[8413]} ) ، وهو أول من تجبر في الأرض ببابل( {[8414]} ) " . أخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه القصص ليكون ذلك عبرة( {[8415]} ) وتعجباً مما كان ، وليكون حجة على أهل الكتاب ومشركي العرب لأنه نبأ لا يعلمه إلا من قرأ الكتب ودرسها ، أو من يوحى إليه ، فلما لم يكن محمد عليه السلام عندهممن( {[8416]} ) يقرأ( {[8417]} ) [ الكتاب فينقل منها ، وجب أن يكون ذلك ]( {[8418]} ) بوحي ، فيجب قبول( {[8419]} ) قوله ، والإيمان به ضرورة لمن وفق .

قال مجاهد : " نمروذ( {[8420]} ) ، هو أحد الأربعة الذين ملكوا الأرض كلها : كافرَيْن ومؤمنَيْن ، فالمؤمنان : سليمان بن( {[8421]} ) داود صلى الله عليه وسلم ، وذو القرنين عليه السلام . والكافران : نمروذ( {[8422]} ) ، وبخت نصر البابلي( {[8423]} ) " .

قوله : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ )( {[8424]} ) [ 257 ] .

أي( {[8425]} ) حين قال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت : أي يملك ذلك ولا يملكه أحد غيره ، قال( {[8426]} ) نمروذ : " أنا أحيي وأميت ، أستحيي من أردت قتله وأقتل آخر( {[8427]} ) " .

قال له( {[8428]} ) إبراهيم : " فإن الله يأت بالشمس من مشرقها( {[8429]} ) ، فأت بها/إن كنت صادقاً من مغربها " .

قال الله : ( فَبُهِتَ الذِي كَفَرَ ) [ 257 ] .

أي الكافر ، أي انقطع وعجز عن الجواب . وقرئ : " فَبَهَتَ الَّذِي كَفَرَ " أي فبهتَ إبراهيمُ الكافرَ ف " الذي " ( {[8430]} ) في موضع نصب ، على هذه القراءة( {[8431]} ) .

قال( {[8432]} ) قتادة : " دعا نمروذ/برجلين فقتل أحدهما واستحيى الآخر( {[8433]} ) ، وقال : أنا( {[8434]} ) أحيي وأميت . فقال له إبراهيم : " فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب . /فبهت الذي كفر( {[8435]} ) " فلم يجب( {[8436]} ) لأنه لو ادعى أنه [ هو الذي يأتي ]( {[8437]} ) بالشمس من المشرق( {[8438]} ) لكذبه( {[8439]} ) جميع أهل مملكته ، لأنهم( {[8440]} ) يعرفون أنه محدث ، والشمس كانت على حالها قبل حدوثه ، فليس يقدر أن يقول : أنا أتيت بها من المشرق قبل حدوثي ، ولو قال : أنا آتي بها من المغرب لعجز عن ذلك . فلما رآى أنه لا مخرج له سكت وانقطع فبهت .

قال زيد بن( {[8441]} ) أسلم : " كان الناس يمتارون( {[8442]} ) من عند نمروذ طعاماً ، وكان أول جبار في( {[8443]} ) الأرض ، فخرج إبراهيم يمتار مع الناس فكلما مر بنمروذناس( {[8444]} ) قال لهم : من ربكم ؟ قالوا( {[8445]} ) : أنت . حتى مر به إبراهيم عليه السلام( {[8446]} ) ، فقال له نمروذ : من ربك ؟ قال : الذي يحيي ويميت . قال : أنا أحيي وأميت . قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب . فبهت الذي كفر ، ورد إبراهيم بغير طعام . فرجع إبراهيم عليه السلام( {[8447]} ) إلى أهله ، فمر( {[8448]} ) على كثيب أعفر( {[8449]} ) –يعني من رمل- فقال : ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي ، فتطيب أنفسهم( {[8450]} ) حين أدخل عليهم . فأخذ منه فأتى أهله فوضع متاعه ثم نام . فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته( {[8451]} ) ، فإذا( {[8452]} ) هي بأجود طعام رأى أحد ، فصنعت له منه ، فقربته إليه . وكان قد عهد أهله ليس عندهم طعام ، فقال : من أين هذا ؟ قالوا : من الطعام الذي/جئت به . فعلم أن الله عز وجل قد رزقه [ فحمد الله تعالى ]( {[8453]} ) ، ثم بعث الله جل وعز ذكره إلى نمروذ ملكاً يقول له( {[8454]} ) : أن آمن بي [ وأتركك ]( {[8455]} ) على ملكك ، قال : وهل رب غيري ؟ ، فجاء الثانية فقال له فأبى عليه ، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه . فقال له الملك : اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام . فجمع الجبار جموعه ، وأمر الله عز وجل الملك ففتح عليهم( {[8456]} ) باباً من البعوض ، فطلعت الشمس ولم يروها من كثرتها ، فبعثها الله سبحانه عليهم ، فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ، ولم يبق إلا [ العظام ، والملك كما هو لم يصبه ]( {[8457]} ) من ذلك شيء ، فبعث الله عز وجل عليه( {[8458]} ) بعوضة فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، فأرحم( {[8459]} ) الناس به من جمع( {[8460]} ) يديه ثم يضرب بهما رأسه ، وكان قد تجبر أربعمائة سنة فعذبه الله بها أربعمائة سنة وأماته( {[8461]} ) " .

وقال السدي : " لما أخرج( {[8462]} ) إبراهيم صلى الله عليه وسلم من النار ، أدخل على الملك( {[8463]} ) ، ولم يره قبل ذلك ، فقال له : من ربك ؟ قال إبراهيم : ربي( {[8464]} ) الذي يحيي ويميت . فلما قال له إبراهيم : فإن الله يأتي الشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب فبهت وقال( {[8465]} ) : إن هذا إنسان مجنون ، فأخرجوه ، ألا ترون أنه اجترأ على آلهتكم ، وأن النار لا تأكله . وخشي الملعون الفضيحة من قومه فأخرجوه ، وهو قوله : ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ )( {[8466]} ) " ( {[8467]} ) .

قوله : ( وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [ 257 ] .

أي لا يهديهم للحجة عند الخصومة لما هم/عليه من الضلالة قاله ابن اسحاق( {[8468]} ) . وليس ( الظالمين ) بوقف ، لأن ( أو كالذي ) معطوف عليه( {[8469]} ) .

/قال الفراء والكسائي : " معنى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ ) : هل رأيت كالذي حاج ، أو كالذي مر على قرية ، فهو معطوف عليه " ( {[8470]} ) . وقيل : الكاف زائدة ، والمعنى : " ألم تر إلى الذي حاج أو الذي مر على قرية( {[8471]} ) " .


[8401]:- في ق: لفظهما. وهو تحريف.
[8402]:- انظر هذا التوجيه في: تفسير القرطبي: 3/283.
[8403]:- انظر هذا التوجيه في: مشكل الإعراب: 1/137، والبيان 1/169.
[8404]:- في ع3: معناه.
[8405]:- سقط من ق.
[8406]:- في ع3: الكفار.
[8407]:- انظر: تفسير الغريب: 93، والبيان: 1/170.
[8408]:- سقط من ع2، ع3.
[8409]:- انظر: البيان: 1/169، والإملاء: 1/108. وقوله: "أن أتاه...وسلم" ساقط من ع2.
[8410]:- في ع1، ح، ق: ابن.
[8411]:- في ع3: ابن.
[8412]:- انظر: تفسيره: 1/115.
[8413]:- في ق: المزج. وهو تحريف.
[8414]:- انظر: جامع البيان: 5/431، والمحرر الوجيز: 2/286، وتفسير القرطبي: 3/284.
[8415]:- في ق: غيرة. وهو تصحيف.
[8416]:- في ق: من.
[8417]:- قوله: "الكتب ودرسها...يقرأ" ساقط من ع3.
[8418]:- في ع2: "الكتب فينقل منها وجب ذلك أن يكون".
[8419]:- في ق: قول.
[8420]:- في ق: ونمروذ.
[8421]:- في ع1، ق: ابن.
[8422]:- في ق: نمردود.
[8423]:- انظر: تفسير القرطبي: 3/284، وتفسير ابن كثير: 1/313، والدر المنثور: 2/25.
[8424]:- في ع1، ع2، ق، ع3: إبراهيم لأبيه وهو خطأ.
[8425]:- في ع2: وأي.
[8426]:- في ع2: وقال.
[8427]:- انظر معناه في: تفسير الغريب: 94.
[8428]:- سقط من ق، ع3.
[8429]:- في ع3: المشرق.
[8430]:- في ع1، ع2، ق، ع3: الذي.
[8431]:- انظر: الإملاء: 1/108، وهي قراءة ابن الشميفع ونعيم بن ميسرة راجع المحتسب: 1/134.
[8432]:- في ع2: وقال.
[8433]:- في ع2، ع3: آخر.
[8434]:- في ع2: إني.
[8435]:- انظر: جامع البيان: 5/433، وتفسير ابن كثير: 1/313.
[8436]:- في ق: يجب له.
[8437]:- في ق: هو الذي يأت وفي ع3: يأت.
[8438]:- قوله: "فأت بها من المغرب...المشرق" ساقط من ع2.
[8439]:- في ع2: ولكذبه. وهو خطأ.
[8440]:- في ع2، ع3: لأنه.
[8441]:- في ع2: ابن. وهو خطأ.
[8442]:- "وامتار": جلب الطعام. اللسان: 3/554.
[8443]:- في ق: له في.
[8444]:- في ع3: من الناس.
[8445]:- في ع1: قد قالوا. وفي ع2، ع3: فقالوا.
[8446]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[8447]:- في ع3: صلى الله عليه وسلم.
[8448]:- في ع3: فأتى.
[8449]:- في ع2، ع2، ق، ع3: أغفر. وهو خطأ. والأعفر: الرمل الأحمر. انظر اللسان: 2/820.
[8450]:- في ع2، ق، ع3: نفوسهم.
[8451]:- في ع3: ففتحه.
[8452]:- في ق: فإذ.
[8453]:- سقط من ع3. وفي ق: فحمد الله عز وجل.
[8454]:- سقط من ع2، ق، ع3.
[8455]:- في ع2، ع3: فأتركك.
[8456]:- في ع3: لهم.
[8457]:- في ع3: العظم والملك وكما هو لم يصيبه.
[8458]:- سقط من ق، ع3.
[8459]:- في ع3: فأرخص. وهو تحريف.
[8460]:- في ق: جميع. وهو تحريف.
[8461]:- انظر: جامع البيان 5/433-435، وتفسير القرطبي: 3/284-285، وتفسير ابن كثير: 1/313، والدر المنثور: 2/24-25. [وانظر: الإسرائيليات في التفسير والحديث للدكتور الذهبي ص114]المدقق.
[8462]:- في ع3: خرج.
[8463]:- قوله: "على الملك" ساقط من ع1، ق.
[8464]:- سقط من ع2، ق، ع3.
[8465]:- في ع3: فقال.
[8466]:- الأنعام آية 84.
[8467]:- انظر: جامع البيان: 5/436، وأورده القرطبي مختصراً راجع تفسيره: 3/286.
[8468]:- انظر: جامع البيان: 5/438.
[8469]:- انظر: كتاب القطع والإئتناف: 93. وهو وقف حسن وليس بتام عند ابن الأنباري والداني. راجع الإيضاح في الوقف: 1/556، والمكتفى 190.
[8470]:- انظر: معاني الفراء: 1/170، ومشكل الإعراب: 1/138، والبيان: 1/170، والإملاء: 1/109.
[8471]:- انظر: البيان: 1/170، والإملاء: 1/108.