الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (258)

أخرج الطيالسي وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال : الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمرود بن كنعان .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي . مثله .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم ، أن أول جبار كان في الأرض نمرود ، وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام ، فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار ، فإذا مر به ناس قال : من ربكم ؟ قالوا له : أنت . حتى مر به إبراهيم فقال : من ربك : قال : الذي يحيي ويميت . قال : أنا أحيي وأميت . قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب . فبهت الذي كفر فرده بغير طعام ، فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أعفر فقال : ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم ؟ فأخذ منه فأتى أهله ، فوضع متاعه ثم نام ، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هو بأجود طعام رآه أحد ، فصنعت له منه فقربته إليه ، و كان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال : من أين هذا ؟ ! قالت من الطعام الذي جئت به . فعرف أن الله رزقه فحمد الله .

ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن بي وأنا أتركك على ملكك ، فهل رب غيري ؟ فأبى ، فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك : فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام ، فجمع الجبار جموعه ، فأمر الله الملك ففتح عليه بابا من البعوض ، فطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها ، فبعثها الله عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم ، فلم يبق إلا العظام ، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء ، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره ، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق ، وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه ، وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ، ثم أماته الله وهو الذي كان بنى صرحا إلى السماء ، فأتى الله بنيانه من القواعد .

وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جرير عن ابن عباس في قوله { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم } قال : نمرود بن كنعان ، يزعمون أنه أول من ملك في الأرض ، أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر . فقال : أنا أحيي وأميت . قال : أستحيي : أترك من شئت ، وأميت : أقتل من شئت .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : كنا نحدث أنه ملك يقال له نمرود بن كنعان ، وهو أول ملك تجبر في الأرض ، وهو صاحب الصرح ببابل ، ذكر لنا أنه دعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الآخر ، فقال : أنا أستحيي من شئت وأقتل من شئت .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { قال أنا أحيي وأميت } قال : أقتل من شئت ، وأستحيي من شئت ، أدعه حيا فلا أقتله ، وقال : ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة نفر : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان : سليمان بن داوود وذو القرنين ، والكافران : بختنصر ونمرود بن كنعان ، لم يملكها غيرهم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال : لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه ، فكلمه وقال له : من ربك ؟ قال : ربي الذي يحيي ويميت . قال نمرود : أنا أحيي وأميت ، أنا أدخل أربعة نفر بيتا فلا يطعمون ولا يسقون حتى إذا هلكوا من الجوع أطعمت اثنين وسقيتهما فعاشا وتركت اثنين فماتا ، فعرف إبراهيم أنه يفعل ذلك قال له : فإن ربي الذي يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر وقال : إن هذا إنسان مجنون فأخرجوه ، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها ، وأن النار لم تأكله ، وخشي أن يفتضح في قومه .

وأخرج أبو الشيخ عن السدي { والله لا يهدي القوم الظالمين } قال : إلى الإيمان .