تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (258)

الآية 258 وقوله تعالى : { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } قد ذكرنا [ في ما تقدم ]{[3242]} أن قوله : { ألم تر } إنما يفتتح لأعجوبة كقوله : { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } [ الفرقان : 45 ] { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } [ الفيل : 1 ] . وفيه إباحة التكلم في الكلام والمناظرة فيه والحجاج بقوله : { حاج إبراهيم في ربه } ورد على من يمنع التكلم فيه لأنا بدعاء الكفرة جميعا إلى وحدانية الله تعالى والإقرار به بذلك والمعرفة أنه كذلك ، وكذلك الأنبياء بأجمعهم أمروا ، وندبوا إلى دعاء الكفرة إلى شهادة لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له . فإن دعوناهم إلى ذلك فلا بد من أن يطلبوا منا الدليل على ذلك والبيان عليه والوصف له كما هو{[3243]} . والتقدير عندهم أنه كذا ؛ فلا يكون ذلك إلا بعد المناظرة والحجاج فيه . لذلك قلنا : إنه لا بأس بالتكلم والمناظرة فيه .

وفيه دلالة على إباحة في التوحيد ، وفيه الإذن بالنظر في النظر لأنه حاجة لينظر ، والله أعلم .

[ وقوله تعالى : { أن آتاه الله الملك }{[3244]} [ قال أهل الاعتزال [ في ]{[3245]} قوله تعالى : { إن الله آتاه الملك } هو إبراهيم عليه السلام لا ذلك الكافر لقوله تعالى : { لا ينال عهدي الظالمين } [ البقرة : 124 ] ؛ أخبر أن عهده لا ينال الظالم ، والملك عهد . لكنه غلط عدنا لوجوده :

أحدها : أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ما عرف بالملك .

والثاني : أن الآية ذكرت في محاجة ذلك الكافر إبراهيم ، ولو كان غير الملك ، وكان إبراهيم عليه السلام وهو الملك ، لم يقدر المحاجة مع إبراهيم عليه السلام إذ لا محاجة إلا عن ملك ، دل أنه هو الذي كلن الملك .

والثالث : { قال أنا أحي وأميت } ، ثم قيل : إنه جاء برجلين ، فقتل أحدهما ، وترك الآخر ، فلو لم يكن ملكا لم يتأت له ذلك بين يدي إبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو الذي { آتاه الله الملك } ، فدل أن المراد به ذلك الكارف ، ثم { الملك } يكون في الخلق بأحد الأمرين : إما بالفضل والشرف والعز والسلطان والدين ، وإما من جهة الأموال والطول عليها والقهر والغلبة ؛ فإن لم يكن له الملك من جهة الأول لكان له ذلك بفضول الأموال ، لذلك كان ما ذكرنا ، والله أعلم .

قال الشيخ ، رحمه الله تعالى : أعطى الملك ليمتحن به كما يعطي الغنى والصحة ، فيمتحن بهما .

وقوله تعالى : { إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت } وكان هذا من إبراهيم عليه السلام والله أعلم ، عن سؤال سبق منه أن قال له ذلك الكافر : من ربك الذي تدعوني إليه ؟ فقال : { ربي الذي يحي ويميت } وإلا لا يحتمل ابتداء الكلام بهذا على غير سبق سؤال كان منه ، وهو ما ذكر في قصة فرعون حين دعاه موسى إلى الإيمان بربه { قال فمن ربكما يا موسى } { قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 49 و 50 ] . فعلى ذلك الأول .

وقوله تعالى : { قال أنا أحي وأميت } [ إنه دعا برجلين ]{[3246]} ، فقتل أحدهما ، وترك الآخر ، على ما قيل في القصة : { قال إبراهيم } [ عليه السلام ]{[3247]} : { فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب } ؛ قال بعض الجدليين : هذا من إبراهيم عليه السلام صرف{[3248]} المحاجة إلى غير ما كان ابتداؤها ، ومثله في الظاهر انقطاع وحيد عن الجواب لأن جوابه أن يقول : أنا أفعل كما فعلت ، أو أن يقول له : إن هذا الحي كان حيا ، ولكن أحي هذا الميت ، لكنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا [ الأمرين :

الأول ]{[3249]} : ليظهر عجزه على الناس ، لأن ذلك كان منه تمويها ، و{[3250]} تلبيسا على قومه أخذ قلوبهم ، فأراد إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يظهر عليه من الحجة ما هو أظهر وأعجز له وآخذ للقلوب .

والثاني : أراد أن يريه أن هذا مما قدر عليه بغيره إذ{[3251]} الذي لم يجعل له القدرة عليه ثم لم يقدر عليه . ثم لما ثبت عجزه في أحدهما ظهر{[3252]} عجزه في الآخرة ، والله اعلم .

وقيل : بأن هذا من إبراهيم انتقال من حجة إلى حجة ليس بانقطاع ، وهو جائز .

وقوله تعالى : { فبهت الذي كفر } قيل : انقطع ، وتحير .

وقوله تعالى : { والله لا يهدي القوم الظالمين } ذكر الظالم لأن الظلم هو وضع الشيء في غير محله ، كوضع{[3253]} هذا اللعين المحاج [ الشيء ]{[3254]} في غير موضعه .


[3242]:من ط ع، وكان الذكر في تفسير الآية (243) من السورة.
[3243]:أدرج بعدها في ط ع: له.
[3244]:ساقطة من ط ع.
[3245]:من ط ع.
[3246]:من ط ع.
[3247]:ساقطة من ط ع وم.
[3248]:من ط ع وم، في الأصل: عرف.
[3249]:ساقطة من النسخ الثلاث.
[3250]:في ط ع وم: و.
[3251]:في ط ع: إذا.
[3252]:في الأصل وط ع: يظهره في م: يظهر.
[3253]:في النسخ الثلاث: سأل.
[3254]:ساقطة من النسخ الثلاث.