جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبۡرَٰهِـۧمَ فِي رَبِّهِۦٓ أَنۡ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا۠ أُحۡيِۦ وَأُمِيتُۖ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأۡتِي بِٱلشَّمۡسِ مِنَ ٱلۡمَشۡرِقِ فَأۡتِ بِهَا مِنَ ٱلۡمَغۡرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (258)

{ أَلَمْ تَرَ {[511]} إِلَى الَّذِي حَآجَّ } : جادل ، تعجب من حماقة نمرود ، { إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ } ، أي : لأن آتاه ، يعني : بطر الملك حمله على ذلك ، { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ } ، ظرف لحاج ، { رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } ، أي : الدليل على وجوده حدوث الأشياء بعد عدمها ، وعدمها بعد وجودها ، فإنه يدل على وجود فاعل مختار ، { قَالَ } : الذي حاج ، { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ } : بالعفو عن القتل والقتلى {[512]} ، أو قاله عناداً ومكابرة ، وأوهم أنه الفاعل لذلك ، وهذا القول أظهر ، { قَالَ إِبْرَاهِيمُ {[513]} فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } ، أي : إذا كنت كما ادعيت {[514]} من الإماتة والإحياء فمن هذا صفته هو المتصرف في الوجود ، في خلق ذواته وتسخير الكواكب وحركاتها ، وهذه الكواكب تبدو كل يوم من المشرق ، فإن كنت إلاها تحيي وتميت فأت بها من المغرب ! ، { فَبُهِتَ {[515]} الَّذِي كَفَرَ } : أخرس في هذا المقام ، وصار مبهوتاً مغلوباً ، { وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } : الذين ظلموا أنفسهم بالاتباع عن الحق ، قيل : لا يهديهم محجة الاحتجاج .


[511]:ولما بين أن الدين واضح بحيث لا احتياج فيه إلى إكراه، وأن متولي أمور المؤمنين هو الله، ومتولي أمور الكافرين الطاغوت –عقبه بالحكايتين والآيتين للتعجب عن حماقة نمرود الذي تولاه الطاغوت، وإبراهيم الذي ربه رب السموات والأرض، ولتوضيح البعث والنشور، فقال: "ألم تر إلى الذي حاج" الآية/12 وجيز
[512]:(*) يعني بأنا أحيي: العفو عن القتل، وأميت: والقتل
[513]:ذكر السدي، أن هذه المناظرة كانت بينهما بعد خرج إبراهيم من النار، ولم يكن اجتمع به إلا في ذلك اليوم/12 منه
[514]:اعلم أن التفسير على ما قررنا أحسن مما في أكثر التفاسير، إنه انتقال من دليل إلى أوضح منه، بل من الثاني على ما قررنا يعلم بطلان الأول فتأمل/12 منه
[515]:وقال: إن هذا إنسان مجنون فأخرجوه، ألا ترون أنه من جنونه اجترأ على آلهتكم فكسرها، وأن النار لم تأكله، وخشي أن يفتضح في قومه/12 در منثور