تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{أَمۡ أَبۡرَمُوٓاْ أَمۡرٗا فَإِنَّا مُبۡرِمُونَ} (79)

قوله :{ أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون } آية ، يقول : أم أجمعوا أمرا ، وذلك أن نفرا من قريش ، منهم : أبو جهل بن هشام ، وعتبة بن وشيبة ابنا ربيعة ، وهشام بن عمرو ، وأبو البحتري بن هشام ، وأمية بن أبي معيط ، وعيينة بن حصن الفزاري ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأبي بن خلف ، بعد موت أبي طالب ، اجتمعوا في دار الندوة بمكة ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم سرا عند انقضاء المدة ، فأتاهم إبليس في صورة شيخ كبير ، فجلس إليهم ، فقالوا له : ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا ؟ قال عدو الله : أنا رجل من أهل نجد ، وقدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم ، طيبة ريحكم ، فأردت أن أسمع حديثكم ، وأشير عليكم ، فإن كرهتم مجلسي خرجت من بينكم .

فقال بعضهم لبعض : هذا رجل من أهل نجد ، ليس من أهل مكة ، فلا بأس عليكم منه ، فتكلموا بالمكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو البحتري بن هشام ، من بني أسد بن عبد العزي : أما أنا ، فأرى أن تأخذوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، فتجعلوه في بيت وتسدوا عليه بابه ، وتجعلوا له كوة لطعامه وشرابه حتى يموت ، فقال إبليس : بئس الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل له فيكمك صغو ، قد سمع به من حولكم ، تحبسونه في بيت ، وتطعمونه وتسقونه ، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عنه ، ويفسد جماعتكم ، ويسفك دماءكم ، قالوا : صدق والله الشيخ .

فقال هشام بن عمرو ، من بني عامر بن لؤى : أما أنا ، فأرى أن تحملوه على بعير ، فتخرجوه من أرضكم ، فيذهب حيث شاء ، ويليه غيركم ، فقال إبليس : بئس الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل قد أفسد عليكم جماعتكم ، وتبعه طائفة منكم ، فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم ، فيوشك بالله أن يميل بهم عليكم ، فقال أبو جهل : صدق والله الشيخ .

فقال أبو جهل بن هشام : أما أنا ، فأرى أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش ، فتأخذون من كل بطن منهم رجلا ، فتعطون كل رجل منهم سيفا ، فيضربونه جميعا ، فلا يدري قومه من يأخذون به ، وتؤدي قريش ديته ، فقال إبليس : صدق والله الشاب ، إن الأمر لكما .

قال : فتفرقوا عن قول أبي جهل ، فنزل جبريل ، عليه السلام ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما ائتمروا به ، وأمره بالخروج ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى الغار ، وأنزل الله تعالى في شرهم الذي أجمعوا عليه :{ أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون } ، يقول : أم أجمعوا أمرهم على محمد صلى الله عليه وسلم بالشر ، فإنا مجمعون أمرنا على ما يكرهون ، فعندها قتل هؤلاء النفر ببدر .