اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ أَبۡرَمُوٓاْ أَمۡرٗا فَإِنَّا مُبۡرِمُونَ} (79)

ولما ذكر الله تعالى كيفيةَ عذابهم في الآخرة ، ذكر بعده كيفية مكرهم ، وفساد باطنهم في الدنيا فقال : { أَمْ أبرموا أَمْراً } أي أحكموا{[50095]} أمراً في المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مشركي مكة «فإنَّا مُبْرِمُونَ » محكمون أمراً في مجازاتهم أي مبرمون كيدنا كما أبرموا كيدهم كقوله تعالى : { أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون } [ الطور : 42 ] . قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم في المكر في دار الندوة وقد تقدم في قوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ . . . } [ الأنفال : 30 ] الآية{[50096]} . قوله : «أمْ أَبْرَمُوا » أم منقطعة . والإبرام الإتقان وأصله في الفتل يقال : أَبْرَمَ الحَيْلَ ، أي أتْقَنَ فَتْلَهُ وهو الفَتْلُ الثاني ، والأول يقال له : سَجِيلٌ{[50097]} قال زهير :

4419 لَعَمْرِي لَنِعْمَ السَّيِّدَانِ وُجِدتُّمَا *** عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيلٍ ومُبْرَمِ{[50098]}


[50095]:قاله ابن قتيبة في غريب القرآن 440 وأبو عبيدة في مجازه 2/206.
[50096]:انظر في هذا الماضي تفسير الإمام الرازي 27/227 و228.
[50097]:انظر مادتي برم وسحل من اللسان 269 و1957 وانظر أيضا معاني القرآن الزجاج 4/420.
[50098]:من الطويل من معلقته المشهورة وهو يمدح هرم بن سنان والحارث بن عوف والمعنى فيه على الاستعارة. والشاهد: من سحيل ومبرم فإن الشاعر يقصد معنى آخر واستعار هذين اللفظين المحسوسين وانظر السبع الطوال 260 والهمع 2/42 والخزانة 3/3 و20 و9/387 وشرح المعلقات السبع للزوزني والسراج المنير 3/75 والقرطبي 16/118 والدر المصون 4/802 والديوان 14.