غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

103

أما القرآن فقوله سبحانه :{ خالدين فيها ما دامت السموات والأرض } أي مدة بقائهما { إلا ما شاء ربك } وفيه استدلالان : الأول أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السموات والأرض المتناهية بالاتفاق . الثاني استثناء المشيئة ويؤكد هذا النص قوله : { لابثين فيها أحقاباً } { النبأ :23 ] وأما الحديث فما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص " ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد " وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً . وأما المعقول فهو أن العقاب ضرر خال عن النفع لا في حق الله تعالى ولا في حق المكلف فيكون قبيحاً . وأيضاً الكفر جرم متناه ومقابلة الجرم المتناهي بعقاب لا نهاية له ظلم . والجمهور من الأمة على أن عذاب الكافر دائم . وأجابوا عن الآية بأن المراد سموات الآخرة وأرضها المشار إليهما بقوله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات } [ ابراهيم :48 ] ولا بد لأهل الآخرة مما يظلهم ويقلهم فهما السماء والأرض ، وإذا علق حصول العذاب للكافر بوجودهما لزم الدوام . وأيضاً القرآن قد ورد على استعمالات العرب . وإنهم يعبرون عن الدوام والتأبيد بقولهم " ما دامت السموات والأرض " ونظيره قولهم : " ما اختلف الليل والنهار " . و " ما أقام ثبير وما لاح كوكب " . ويمكن أيضاً أن يقال : حاصل الآية يرجع إلى شرطية هي قولنا : إن دامت السموات والأرض دام عقابهم فإذا قلنا لكن السموات والأرض دائمة لزم دوام عقابهم وهو المطلوب ، وإن قلنا لكنهما لم تدوما فإنه لا ينتج مطلوب الخصم لأن استثناء نقيض المقدم لا ينتج شيئاً . وبعبارة أخرى دلت الآية على أنه كلما وجدت السموات والأرض وجد عقابهم . فلو قلنا لكنهما لم يوجدا لم يلزم منه أن لا يوجد عقابهم ، أو يوجد فالآية لا تدل على حصول العقاب لهم دهراً طويلاً ومدة مديدة . وأما إنه هل يكون له آخر أم لا فذلك إنما يستفاد من دليل آخر كقوله : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء :48 ] وأما الاستدلال بالاستثناء فقد ذكر ابن قتيبة وابن الأنباري والفراء أن هذا الاستثناء لا ينافي عدم المشيئة كقولك و " الله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك " وقد يكون عزمك على ضربه ألبتة وتعلم أنك لا ترى غير ذلك . وردّ بالفرق ، فإن معنى الآية الحكم بخلودهم فيها إلا المدة التي شاء الله ، فالمشيئة قد حصلت جزماً . ولقائل أن يقول : الماضي ههنا في معنى الاستقبال مثل { ونادى أصحاب الأعراف } [ النساء :48 ] { وسيق الذين اتقوا } [ الزمر :73 ] فلم يبق فرق : وقيل : " إلا " بمعنى " سوى " أي سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود الدائم كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه ، ثم زاد عليه الدوام الذي لا آخر له . وقال الأصم وغيره : المراد زمان مكثهم في الدنيا أو في البرزخ أو في الموقف . وقيل : الاستثناء يرجع إلى قوله : { لهم فيها زفير وشهيق } كأنهم يصيرون آخر الأمر إلى الهمود والخمود . وقيل : فائدة الاستثناء أن يعلم إخراج أهل التوحيد من النار والمراد إلا من شاء ربك ، وهذا التأويل إنما يليق بقاعدة الأشاعرة وأكدوه بقوله : { إن ربك فعال لما يريد } فكأنه تعالى يقول : أظهرت القهر والقدرة ثم أظهرت المغفرة والرحمة لأني فعال لما أريد ، وليس لأحد عليّ حكم ألبتة . وأما المعتزلة فكأنهم لا يرضون بهذا ويقولون : إن الاستثناء الثاني لا يساعده لحصول الإجماع على أن أحداً من أهل الجنة لا يدخل النار . فالصواب أن يقال : إنه استثناء من الخلود في عذاب النار ومن الخلود في نعيم الجنة ، فإن أهل النار ينقلون إلى الزمهرير وإلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله ، وأهل الجنة ينقلون إلى العرش أو إلى ما هو أعلى حالاً من الجنة كقوله : { ورضوان من الله أكبر } [ التوبة :72 ] ثم قالا : إنه ختم آية الوعيد بقوله : { إن ربك فعال لما يريد } .

/خ123