أما القرآن فقوله سبحانه :{ خالدين فيها ما دامت السموات والأرض } أي مدة بقائهما { إلا ما شاء ربك } وفيه استدلالان : الأول أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السموات والأرض المتناهية بالاتفاق . الثاني استثناء المشيئة ويؤكد هذا النص قوله : { لابثين فيها أحقاباً } { النبأ :23 ] وأما الحديث فما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص " ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد " وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً . وأما المعقول فهو أن العقاب ضرر خال عن النفع لا في حق الله تعالى ولا في حق المكلف فيكون قبيحاً . وأيضاً الكفر جرم متناه ومقابلة الجرم المتناهي بعقاب لا نهاية له ظلم . والجمهور من الأمة على أن عذاب الكافر دائم . وأجابوا عن الآية بأن المراد سموات الآخرة وأرضها المشار إليهما بقوله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات } [ ابراهيم :48 ] ولا بد لأهل الآخرة مما يظلهم ويقلهم فهما السماء والأرض ، وإذا علق حصول العذاب للكافر بوجودهما لزم الدوام . وأيضاً القرآن قد ورد على استعمالات العرب . وإنهم يعبرون عن الدوام والتأبيد بقولهم " ما دامت السموات والأرض " ونظيره قولهم : " ما اختلف الليل والنهار " . و " ما أقام ثبير وما لاح كوكب " . ويمكن أيضاً أن يقال : حاصل الآية يرجع إلى شرطية هي قولنا : إن دامت السموات والأرض دام عقابهم فإذا قلنا لكن السموات والأرض دائمة لزم دوام عقابهم وهو المطلوب ، وإن قلنا لكنهما لم تدوما فإنه لا ينتج مطلوب الخصم لأن استثناء نقيض المقدم لا ينتج شيئاً . وبعبارة أخرى دلت الآية على أنه كلما وجدت السموات والأرض وجد عقابهم . فلو قلنا لكنهما لم يوجدا لم يلزم منه أن لا يوجد عقابهم ، أو يوجد فالآية لا تدل على حصول العقاب لهم دهراً طويلاً ومدة مديدة . وأما إنه هل يكون له آخر أم لا فذلك إنما يستفاد من دليل آخر كقوله : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء :48 ] وأما الاستدلال بالاستثناء فقد ذكر ابن قتيبة وابن الأنباري والفراء أن هذا الاستثناء لا ينافي عدم المشيئة كقولك و " الله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك " وقد يكون عزمك على ضربه ألبتة وتعلم أنك لا ترى غير ذلك . وردّ بالفرق ، فإن معنى الآية الحكم بخلودهم فيها إلا المدة التي شاء الله ، فالمشيئة قد حصلت جزماً . ولقائل أن يقول : الماضي ههنا في معنى الاستقبال مثل { ونادى أصحاب الأعراف } [ النساء :48 ] { وسيق الذين اتقوا } [ الزمر :73 ] فلم يبق فرق : وقيل : " إلا " بمعنى " سوى " أي سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود الدائم كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه ، ثم زاد عليه الدوام الذي لا آخر له . وقال الأصم وغيره : المراد زمان مكثهم في الدنيا أو في البرزخ أو في الموقف . وقيل : الاستثناء يرجع إلى قوله : { لهم فيها زفير وشهيق } كأنهم يصيرون آخر الأمر إلى الهمود والخمود . وقيل : فائدة الاستثناء أن يعلم إخراج أهل التوحيد من النار والمراد إلا من شاء ربك ، وهذا التأويل إنما يليق بقاعدة الأشاعرة وأكدوه بقوله : { إن ربك فعال لما يريد } فكأنه تعالى يقول : أظهرت القهر والقدرة ثم أظهرت المغفرة والرحمة لأني فعال لما أريد ، وليس لأحد عليّ حكم ألبتة . وأما المعتزلة فكأنهم لا يرضون بهذا ويقولون : إن الاستثناء الثاني لا يساعده لحصول الإجماع على أن أحداً من أهل الجنة لا يدخل النار . فالصواب أن يقال : إنه استثناء من الخلود في عذاب النار ومن الخلود في نعيم الجنة ، فإن أهل النار ينقلون إلى الزمهرير وإلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله ، وأهل الجنة ينقلون إلى العرش أو إلى ما هو أعلى حالاً من الجنة كقوله : { ورضوان من الله أكبر } [ التوبة :72 ] ثم قالا : إنه ختم آية الوعيد بقوله : { إن ربك فعال لما يريد } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.