غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا} (13)

1

{ وكل إنسان ألزمناه طائره } أي عمله { في عنقه } وبوجه آخر لما شرح أحوال الشمس والقمر والنهار والليل لابتغاء المعاش وللدعة والراحة ولمعرفة المواقيت ، وكان الغرض الأصلي من الكل هو الاشتغال بخدمة المعبود وتهذيب الأفعال وإصلاح الأقوال ، ذكر أن الإنسان مؤاخذ في عرصة القيامة بأقواله وأفعاله وسائر أحواله ليظهر أنه هل أتى بما هو المقصود من خلقه أم لا . قال أكثر أهل اللغة : إن العرب إذا أرادوا الإقدام على عمل من الأعمال اعتبروا أحوال الطائر أنه يطير بنفسه أو يحتاج إلى إزعاجه ، وإذا طار فهل يطير متيامناً أو متياسراً أو صاعداً في الجو إلى غير ذلك من الأحوال التي كانوا يعتبرونها ويستدلون بكل واحد منها على ما يسوقهم عملهم إليه من خير أو شر ، فإطلاق الطائر على العمل تسمية للنبي باسم لازمه . وقال أبو عبيدة : الطائر عند العرب الحظ ويقال له البخت . فالطائر ما وقع للشخص في الأزل مما هو نصيبه من العقل والعلم والعمر والرزق والسعادة والشقاوة كأنه طائر يطير إليه من وكر الأزل وظلمات عالم الغيب طيراناً لا نهاية له ولا غاية إلا إن انتهى إلى ذلك الشخص في وقته المقدر من غير خلاص ولا مناص وفي هذا دليل على أنه لا يظهر في الأبد إلا ما حكم الله به في الأزل ، والكفاية الأبدية لا تتم إلا بالعناية الأزلية . وإنه سبحانه أكد هذا المعنى بإضافة الإلزام على نفسه ثم بقوله : { في عنقه } . يقال : جعلت هذا الأمر في عنقك أي قلدتكه والزمتك الاحتفاظ به . فإن كان خيراً يزينه كان كالطوق ، وإن كان شراً يشينه كان كالغل . ومن أمثال العرب " تقلدها طوق الحمامة " { ونخرج له } من قرأ بالنون فظاهر . وقوله : { يلقاه منشوراً } صفتان للكتاب أو { يلقاه } صفة { منشوراً } حال من مفعول يلقاه . ومن قرأ بالياء مجهولاً أو لازماً فالضمير للطائر { وكتاباً } حال منه ، يقال : لقيت الشيء ولقانيه غيري . عن الحسن : يا ابن آدم بسطت الصحيفة وطويت في قبرك معك ، ثم إذا بعثت قلدتها في عنقك .

/خ21