غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوۡاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمۡلِ قَالَتۡ نَمۡلَةٞ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ لَا يَحۡطِمَنَّكُمۡ سُلَيۡمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (18)

15

ومعنى { أتوا على واد النمل } قطعوه وبلغوا آخره من قولهم " أتى على الشيء " إذا أنفذه وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي . ويجوز أن يقصد إتيانهم من فوق لأن الريح كانت تحملهم في الهواء فلذلك عدي ب " على " عن قتادة أنه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة حاضراً وهو غلام حدث فقال : سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أنثى ؟ فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة : كانت أنثى لقوله تعالى { قالت نملة } لو كان ذكراً لم تجز التاء لأن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فلا بد من التمييز بالعلامة .

وحين عبر عن تفاهم النمل بلفظ التقاول جعل خطابهم أولي العقل فحكى أنها { قالت يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم } أما جواب للأمر وإما نهي بدلاً من الأمر أي لا تكونوا بحيث يحطمكم أي يكسركم سليمان وجنوده على طريقة " لا أرينك ههنا " . وفي قوله { سليمان وجنوده } دون أن يقول جنود سليمان مبالغة أخرى كما تقول : أعجبني زيد وكرمه . وفي الآية دلالة على أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز وإنما يلزم من في الطريق التحرز . وفي قوله { وهم لا يشعرون } تنبيه على وجود الجزم بعصمة الأنبياء كأنها عرفت أن النبي لعصمته لا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السهو . وعن بعضهم أنها خافت على قومها أن يقعوا في كفران نعمة الله تعالى إذا رأوا جلالة سليمان ، وهذا معنى الحطم فلذلك أمرتهم بدخول المساكن . وفيه تنبيه على أن مجالسة أرباب الدنيا محذورة .

/خ44