غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكٗا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (19)

15

قيل : سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال { فتبسم ضاحكاً } أي شارعاً في الضحك آخذاً فيه ولكن لم يبلغ حدّ القهقهة وكمال الضحك . وما روي أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه فعلى وجه المبالغة في الضحك النبوي . وإنما أضحكه من قولها شفقتها على قومها وسروره بما آتاه الله من إدراك الهمس واشتهاره بالتحرز والتقوى ولذلك مال إلى الدعاء قائلاً : { رب أوزعني } قال جار الله : حقيقته اجعلني أزع شكر نعمتك عندي وأربطه لا ينفلت عني فلا أزال شاكراً لك . وإنما أدرج ذكر الوالدين لأن النعمة على الولد نعمة عليهما وبالعكس . ثم طلب أن يضيف لواحق نعمه إلى سوابقها ولاسيما النعم الدينية فقال : { وأن أعمل صالحاً ترضاه } ثم دعا أن يجعله في الآخرة من زمرة الصالحين لأن ذلك غاية كل مقصود . يروى أن النملة أحست بصوت الجنود ولم تعلم أنها في الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعرون حتى دخلن مساكنهن ، ثم دعا بالدعوة .

القصة الثالثة قصة بلقيس وما جرى بينها وبين سليمان وذلك بدلالة الهدهد ، يروى أن سليمان حين تم له بناء بيت المقدس تجهز للحج مع حشمه فأتى الحرم ومكث به أياماً يقرب كل يوم خمسة آلاف ناقة وخمسة آلاف بقرة وعشرين ألف شاة . ثم عزم على السير إلى اليمن فخرج من مكة صباحاً فوافى صنعاء وقت الزوال وذلك مسيرة شهر ، فرأى أرضاً أعجبته بهجتها إلا أنهم لم يجدوا الماء فطلب الهدهد لأنه يرى الماء من تحت الأرض . وعن وهب أنه أخل بالنوبة التي كانت تنويه فلذلك تفقده . وقيل : إنه وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فإذا موضع الهدهد خالٍ فدعا عفريت الطير -وهو النسر- فسأله عنه فلم يجد عنده علمه . ثم قال لسيد الطير -وهو العقاب- عليّ به فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته فأقسم عليها بالله لتتركنه فتركته . وقالت : إن نبي الله قد حلف ليعذبنك قال : وما استثنى ؟ قالت : بلى قال : { أو ليأتيني بسلطان مبين } أي بعذر واضح . فلما قرب من سليمان أرخى ذنبه وجناحيه يجرها على الأرض تواضعاً له ، فلما دنا منه أخذ سليمان برأسه فمده إليه فقال : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل فارتعد سليمان وعفا عنه ثم سأله عما لقي في غيبته . وفي تفقد الهدهد إشارة إلى أن الملوك يجب عليهم التيقظ وعدم الغفلة عن أصغر رعيتهم . وأرجع إلى التفسير .

/خ44