غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ} (16)

15

قوله { وورث سليمان داود } عن الحسن أنه المال لأن النبوة عطية مبتدأة ، وزيف بأن المال أيضاً عطية مبتدأة ولذلك يرث الولد إذا كان مؤمناً ولا يرث إذا كان كافراً أو قاتلاً . ومات المانع من أن يوصف بأنه ورث النبوة لما قام بها عند موته كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته . والظاهر أنه أراد وراثة النبوة والملك معاً دليله قوله تشهيراً لنعمة الله ودعاء للناس إلى تصديق المعجزة { يا أيها الناس علمنا منطق الطير } والمنطق يشمل كل ما يصوت به من المفرد والمؤلف مفيداً وغير مفيد ، ومنه قولهم " نطقت الحمامة " . قال المفسرون : إنه تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل وليس كذلك حال الطيور في أيامنا وإن كان فيها ما ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة إليها . يحكى أنه مر على بلبل في شجرة فقال لأصحابه : إنه يقول : إني أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفا أي التراب . وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول : ليت الخلق لم يخلقوا . وصاح طاوس فقال : يقول : كما تدين تدان . وأخبر أن الهدهد يقول : استغفروا الله يا مذنبون . والخطاف يقول : قدموا خيراً تجدوه . والرخمة تقول : سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه . والقمريّ يقول : سبحان ربي الأعلى . والقطاة تقول : من سكت سلم . والببغاء تقول : ويل لمن الدنيا همه . والديك يقول : اذكروا الله يا غافلون . والنسر يقول : يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت . والعقاب يقول : في البعد من الناس أنس . ومعنى { من كل شيء } بعض كل شيء . وقال في الكشاف : أراد كثرة ما أوتي كما تقول " فلان يقصده كل أحد " تريد كثرة قاصديه . وإنما قال { علمنا } { وأوتينا } لأنه أراد نفسه وأباه ، ويجوز أن يريد نفسه فقط لا على طريق التكبر بل على عادة الملوك يعظمون أنفسهم لمصلحة التهييب . وقوله { إن هذا لهو الفضل المبين } قول وارد على سبيل الشكر والتحدث بالنعم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " أي أقول هذا شكراً لا فخراً .

/خ44