غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمۡنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٖۖ وَمِنَ ٱلۡبَقَرِ وَٱلۡغَنَمِ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ شُحُومَهُمَآ إِلَّا مَا حَمَلَتۡ ظُهُورُهُمَآ أَوِ ٱلۡحَوَايَآ أَوۡ مَا ٱخۡتَلَطَ بِعَظۡمٖۚ ذَٰلِكَ جَزَيۡنَٰهُم بِبَغۡيِهِمۡۖ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ} (146)

141

ثم بين سبحانه أنه حرم على اليهود أشياء أخر سوى هذه الأربعة فقال : { وعلى الذين هادوا حرمنا } وذلك نوعان : الأول أنه حرم عليهم { كل ذي ظفر } وفيه لغات : ضم الفاء والعين وهي الفصحى ، وكسرهما وهي قراءة ابن السماك ، والضم مع السكون والكسر مع السكون وهي قراءة الحسن ، واختلف في ذي الظفر فعن ابن عباس في رواية عطاء أنه الإبل فقط ، وعنه في رواية أخرى وهو قول مجاهد أنه الإبل والنعام ، وقيل : كل ذي مخلب من الطير وكل ذي حافر من الدواب ، وسمي الحافر ظفراً على الاستعارة ، وزيف بأن الحافر لا يكاد يسمى ظفراً وبأن البقرة والغنم مباحان لهم كما يجيء مع أن لهما حافراً فإذن يجب حمل الظفر على المخلب والبراثن من الجوارح والسباع بل على كل ما له إصبع من دابة وطائر . وكان بعض ذوات الظفر حلالاً لهم فلما ظلموا عمم التحريم . فعموم التحريم خاص بهم ولهذا قدم الجار في قوله { وعلى الذين هادوا حرمنا } فيستدل بذلك على حل بعض هذه الحيوانات على المسلمين وهو ما سوى ذات المخلب والناب فيكون الخبر مبيناً للآية لا مخالفاً كما ظن صاحب التفسير الكبير . النوع الثاني قوله { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } قال في الكشاف : هو كقولك : «من زيد أخذت ماله » تريد بالإضافة يعني إضافة الأخذ إلى زيد بواسطة من زيادة الربط . والمعنى أنه حرم عليهم من كل ذي ظفر كله ومن البقرة والغنم بعضهما وذلك شحومهما فقط ، هذا أيضاً ليس على الإطلاق لقوله : { إلا ما حملت ظهورهما } قال ابن عباس : إلا ما علق بالظهر من الشحم فإني لم أحرمه . وقال قتادة : إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونها . وقيل : إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السحفة وهي الشحمة التي على الظهر الملتزقة بالجلد فيما بين الكتفين إلى الوركين . وهي بالحقيقة لحم سمين لأنه يحمر عند الهزال ولهذا لو حلف لا يأكل الشحم فأكل من ذلك اللحم السمين لم يحنث على الأصح . والاستثناء الثاني قوله : { أو الحوايا } قال الجوهري : الحوايا الأمعاء واحدها حوية وفي معناها حاوية البطن وحاوياء البطن . وقال الواحدي : هي المباعر والمصارين والفحوى ، أو ما اشتمل على الأمعاء يعني أن الشحوم الملتصقة بالمباعر والمصارين غير محرمة ، والاستثناء الثالث : { أو ما اختلط بعظم } قال جمهور المفسرين : يعني شحم الآلية . وقال ابن جريج : كل شحم في القوائم والجنب والرأس وفي العينين والأذنين فإنه مخلوط بعظم فهو حلال لهم . والحاصل أن الشحم الذي حرم الله عليهم هو الثرب وشحم الكلية . وقيل : إن الحوايا غير معطوف على المستثنى وإنما هو معطوف على المستثنى منه والتقدير : حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم . ودخوله كلمة «أو » كدخولها في قوله تعالى : { ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } [ الدهر : 24 ] والمعنى كل هؤلاء أهل أن يعصى فاعص هذا واعص هذا فكذا هاهنا المعنى حرمنا عليهم هذا وهذا { ذلك } الجزاء وهو تحريم الطيبات { جزيناهم ببغيهم } بسبب قتلهم الأنبياء وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل وغير ذلك من قبائح أفعالهم { وإنا لصادقون } في هذه الأخبار أو فيما يوعد به العصاة . قال القاضي : نفس التحريم لا يجوز أن يكون عقوبة على جرم صدر عنهم لأن التكليف تعريض للثواب والتعريض للثواب إحسان . وأجيب بأن المنع من الانتفاع يمكن أن يكون لمزيد الثواب ويمكن أن يكون بشؤم الجرم المتقدم .

/خ150