غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٞ وَرِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَأۡخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا ٱلۡأَدۡنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغۡفَرُ لَنَا وَإِن يَأۡتِهِمۡ عَرَضٞ مِّثۡلُهُۥ يَأۡخُذُوهُۚ أَلَمۡ يُؤۡخَذۡ عَلَيۡهِم مِّيثَٰقُ ٱلۡكِتَٰبِ أَن لَّا يَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِۗ وَٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} (169)

160

{ فخلف من بعدهم خلف } ظاهره يدل على أن الأوّل ممدوح والثاني مذموم . فالمراد فخلف من بعد أولئك الصلحاء خلف سوء . قال الجوهري الخلف القرن بعد القرن يقال : هؤلاء خلف سوء لناس لاحقين بناس أكثر منهم . قال الأخفش : وقد يحرك ومنهم من يقول خلف سوء من أبيه بالتسكين وخلف صدق من أبيه بالتحريك قال لبيد :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خلف كجلد الأجرب

والخلف الرديء من القول يقال : سكت ألفاً ونطق خلفاً أي سكت عن ألف كلمة ثم تكلم بخطأ { ورثوا الكتاب } أي التوراة بقيت في أيديهم بعد سلفهم يقرؤونها ويقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي ولا يعملون بها { يأخذون عرض هذا الأدنى } أي حطام هذا الشيء الأدنى يريد الدنيا وما يتمتع به منها . يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر . وفي الإشارة بقوله { هذا الأدنى } تحقير وتخسيس . وأراد بالدنو القرب لأنه عاجل . أو دنو الحال وسقوطها وقلتها . والمراد كانوا يأخذونه من الرشا في تحريف الأحكام والنعوت { ويقولون سيغفر لنا } يؤاخذنا الله بما أخذنا . وإسناد الفعل إما إلى الجار والمجرور وإما إلى الأخذ الدال عليه { يأخذون } ، { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } الواو للحال أي يرجون المغفرة جزماً وهم مصرون والمراد الإخبار عن إصرارهم على الذنوب . وقال الحسن : هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا وأنهم لا يشبعون منها .

ثم بين نكث عهدهم فقال { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب } أي التوراة . ومحل { ألا يقولوا على الله إلا الحق } رفع عطف بيان للميثاق المذكور في التوراة وهو أن لا يحرّفوا الكلم عن مواضعه ولا يقبلوا الرشا أو لا يصروا على الذنب مع الجزم بالغفران . فإن خلاف كل ذلك خروج عن ميثاق الكتاب وافتراء على الله وتقول عليه ما ليس بحق . ويجوز أن يكون { ألا يقولوا } مفعولاً لأجله ومعناه لئلا يقولوا ويجوز أن تكون «أن » مفسرة { ولا يقولوا } نهياً كأنه قيل : ألم نقل لهم لا تقولوا على الله إلا الحق ؟ { ودرسوا } عطف على { ألم يؤخذ } لأنه تقرير كأنه قيل : أخذ عليهم الميثاق وقرأوا ما فيه أي أنهم ذاكرون لما أخذ عليهم قد قرأوه ودرسوه . { والدار الآخرة خير } من ذلك العرض الخسيس { للذين يتقون } الرشا والمحرمات .

/خ171