غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (66)

50

{ الآن خفف الله عنكم } والنسخ أبدل على رغبتهم في أن يلقوا قبله من تأكيد ضميرهم المتصل بالمنفصل وتعريف الخبر ، أو من جهة تعريف الخبر وإقحام الفصل . قال الفراء : قد جمع بين «إما » و «أن » في هذه الآية بخلاف قوله { وما يعذبهم } { وإما يتوب عليهم } لأن الفعل هاهنا في موضع أمر بالاختيار أعني في موضع نصب كقول القائل : اختر ذا أو ذا . كأنهم قالوا : اختر أن تلقى بخلاف تلك الآية فإن الأمر لا يصلح هناك . قال موسى للسحرة ألقوا ما ترغبون فيه ازدراء بشأنهم وقلة مبالاة وثقة بأن الأمر الإلهي يغلب ولن بالكفر كفر . فالجواب من وجوه : أحدها : أنه إنما أمرهم بشرط أن يعلموا في فعلهم أن يكون حقاً فإذا لم يكن كذلك فلا أمر البتة كقول القائل : اسقني الماء من الجرة . فهذا إنما يكون أمراً بشرط حصول الماء من الجرة . والثاني : أن موسى علم أنهم جاءوا لذلك فلا بد أن يفعلوه ودفع النزاع في التقديم والتأخير . الثالث : أنه أذن لهم في الإتيان بذلك السحر ليتمكن من الإقدام على إبطاله كمن يريد سماع شبهة ملحد ليبحث عنها ويكشف عن ضعفها يقول له : هات وقل ومراده أن يجيب عنها ويبين لكل أحد ضعفها وسقوطها { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } [ الأعراف : 116 ] قال القاضي : لو كان السحر حقاً لكانوا قد سحروا قلوبهم لا أعينهم فثبت أنهم خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه . وقال الواحدي : بل المراد أنهم قلبوا الأعين عن صحة إدراكها بسبب تلك التمويهات . وروي أنهم أتوا بالحبال والعصي ولطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق دواخل العصي فلما أثر تسخين الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض فخيل إلى الناس أنها تسعى { واسترهبوهم } [ الأعراف : 116 ] أي أرهبوهم والسين زائدة كأنهم استدعوا رهبتهم . وقال الزجاج : اشتدت رهبة الناس فبعثوا جماعة ينادون عند إلقاء ذلك أيها الناس احذروا فهذا هو الاسترهاب { وجاءوا بسحر عظيم } [ الأعراف : 116 ] كما زعموا أن ذلك سحر لا يطيقه سحرة أهل الأرض . عن ابن عباس أنه خيل إلى موسى عليه السلام أن حبالهم وعصيهم حيات مثل عصا موسى فأوحى الله عزّ وجلّ إليه أن الق عصاك . وفي رواية الواحدي عنه أن المراد بالوحي هاهنا الإلهام وهاهنا إضمار والتقدير : فألقاها فإذا هي تلقف . قال الجوهري : لقفت الشيء بالكسر ألقفه وتلقفته أيضاً تناولته بسرعة و «ما » في ما يأفكون موصولة أو مصدرية بمعنى ما يأفكونه أي يقلبونه عن الحق إلى الباطل ويزوّرونه ، أو أفكهم نحوه ودنوت منه وجدت القشعريرة فقال لي : من الرجل ؟ قلت له : من العرب سمعت بك وبجمعك ومشيت معه حتى إذا تمكنت منه قتلته بالسيف وأسرعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت أني قتلته فأعطاني عصاه وقال : أمسكها فإنها آية بيني وبينك يوم القيامة . وقال عكرمة : إنما أمر الرجل أن يصبر لعشرة والعشرة لمائة حال ما كان المسلمون قليلين فلما كثروا خفف الله عنهم ولهذا قال ابن عباس : أيما رجل فر من ثلاثة فلم يفر ، فإن فر من اثنين فقد فر . والحاصل أن الجمهور ادّعوا أن قوله { الآن خفف الله عنكم } ناسخ لحكم الآية المتقدمة وأنكر ذلك أبو مسلم الأصفهاني قال : لأن لفظ الآية ورد على الخبر . سلمنا أنه بمعنى الأمر لكن لم قلتم إن التقدير ليكن العشرون يغلب فإن قيل : إن إلقاءهم الحبال والعصي معارضة المعجز بالسحر وذلك كفر والأمر صابرين في مقابلة المائتين ، ولم لا يجوز أن يكون المراد إن حصل عشرون صابرون في مقابلة المائتين فليشتغلوا بجهادهم وإذا كان الشرط غير حاصل في حق هؤلاء لقوله { وعلم أن فيكم ضعفاً } فلا جرم لم يثبت ذلك الحكم فلا يتصور النسخ . ولفظ التخفيف لا يقتضي ورود التثقيل قبله لأن مثل هذا الكلام قد تقوله العرب ابتداء . ومما يدل على عدم النسخ تقارن الآيتين ، والناسخ يجب أن يكون بعد المنسوخ بزمان . وهذا حاصل قول أبي مسلم وهو إنما يستحق الجواب لو لم يحصل قبله إطباق على حصول هذا النسخ والله تعالى أعلم . ومعنى قوله { وعلم أن فيكم ضعفاً } ظهر معلومه فلا يبقى لهشام حجة في مذهبه أنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا بعد وقوعها . والمراد بالضعف قبل الضعف في البدن وقيل في البصيرة والاستقامة في الدين وكانوا متفاوتين في ذلك . والظاهر أن المراد الضعف الإنساني المذكور في قوله { وخلق الإنسان ضعيفاً }

[ النساء : 28 ] .

/خ66