تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (66)

وقوله تعالى : ( الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ) [ فيه وجهان :

أحدهما : إن ][ في الأصل وم : فان ] قيل : ما معنى قوله ( وعلم أن فيكم ضعفا ) وقد كان يعلم أن فيهم ضعفا[ في الأصل وم : ضعف ] وقت ما أمر العشرة القيام لمئة والعشرين لمئتين ؟ قيل : أمر بذلك مع علمه أن فيهم ضعفا ، وإن كان في ذلك إهلاك أنفسهم ، وذلك منه عدل ، إ ذ له الأنفس ، إن شاء أتلفها بالموت ، وإن شاء بالقتل بقتل العدو .

والتخفيف منه رحمة وفضل ؛ أمر الواحد القيام لعشرة على علم منه بالضعف ابتداء الامتحان منه ، وله أن يمتحن عباده بما فيه وسعهم وبما لا وسع لهم فيه . وفي الحكمة ذلك ، إذ له الأنفس ، له أن يتلفها كيف شاء بما شاء ؛ وهو ما ذكر قوله : ( ولو أن كتبنا عليهم )[ النساء : 66 ] ولو لم يكن له في الحكمة ذلك لا يحتمل أن يكتب ذلك عليهم .

والثاني : يعلم فيهم الضعف ، كائنا شاهدا كما علم أنه يكون ؛ وهو ما ذكرنا في قوله ( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين )[ محمد : 31 ] أي يعلم المجاهد كما علم أنه يجاهد فعلى هذا .

ثم ذكر العشرة والعشرين يحمل على التحديد ، ويحتمل لا على التحديد . ألا ترى أنه ذكر في الناسخ عددا غير العدد الذي في المنسوخ ؛ لأن في المنسوخ ذكر العشرين لمئتين ، وفي الناسخ ذكر الألف لا لغير بقوله : ( وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ) ؟

فإن كان لا على التحديد فيلزم لواحد القيام لاثنين ، وفي الأول الواحد لعشرة .

وعلى ذلك روي عن عمر رضي الله عنه ، [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : إذا لقي الرجل رجلين من الكفار ، فاستأثر ، فلا فداء له علينا ، فإذا لقي ثلاثة فأكثر فعلينا فداؤه ، ولم يجعل للواحد الفرار من اثنين حين[ في الأصل وم : حيث ] جعل عليه الفداء .

وكذلك روي عن ابن عباس رضي الله عنه ، أنه قال ذلك .

ويحتمل /204-ب/ على التحديد ، إذا كمل العدد لم يسمح بالفرار ، ويلزمهم القيام لهم . وإذا كانوا دون ذلك لم يلزم .

وكذلك قال الحسن : أمر أن يصبر عشرون لمئتين ، إن فروا منهم لم يعذروا ، وأن يصبر الألف لألفين ، إن فروا منهم لم يعذروا ، قال : ثم أنزل الله ( الآن خفف الله عنكم وعلم إن فيكم ضعفا ) فأمر أن يصبر منه لمئتين ، وإن فروا منهم لم يعذروا ، وأن يصبر الألف للألفين ؛ إن فروا منهم لم يعذروا . فإن كان على التحديد فهو ما يقولون : إنهم لم يكونوا منعة ، فإنه يسعهم ألا يقاتلوا .

وقوله تعالى : ( فإن يكن منكم مائة صابرة ) قال بعضهم : الصبر هو حبس النفس على ما أمر الله ، وكفها عن جميع شهواتها ولذاتها . فإذا فعل ذلك غلب على العدو ، وقهره .

وقال بعضهم : الصبر هو أن يوطن نفسه في القتال مع العدو ، ويحبسها في ذلك والشكر قيل : هو أن يبذل نفسه وما يحويه لله ، لا يجعل لغيره ، فيكون الشكر والصبر في الحاصل سواء ، وإن كانا في العبارة مختلفين لأن الشكر هو بذل النفس وما حوته يده لله ، والصبر هو الكف والاحتباس على جميع ما أمر الله وأداء ما فرض عليه فإذا حبسها عن غيره يكون باذلا ، ولهذا سمي الصبر إيمانا بقوله ( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات )[ الانشقاق : 25و . . ] .

وقوله تعالى : ( والله مع الصابرين ) في النصر لهم على عدوهم والغلبة عليهم .