الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (66)

ثم خفف تعالى ذلك عن المؤمنين ، فقال : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا }[ 66 ] ، أي : تضعفون عن أن يلقى الواحد منكم عشرة منهم ، { فإن تكن منكم مائة صابرة }[ 66 ] ، على المكاره عند لقاء العدو ، { يغلبوا مائتين } من العدو { وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله } ، أي : بمعونته { والله مع الصابرين }{[27780]} .

قال عطاء{[27781]} : لما نزلت الآية الأولى{[27782]} ، ثقل ذلك على المسلمين ، وأعظموا أن يقاتل عشرون منهم مائتين ، ومائة ألفا فخفف [ الله ]{[27783]} ذلك عنهم ، فنسخها بالآية الأخرى{[27784]} فردهم يقفون إلى من هو مثلا عددهم ، فإن ( كان ){[27785]} المشركون أكثر من المسلمين ، لم يلزم المسلمين الوقوف لهم ، وحل لهم أن يتحوّزوا عنهم{[27786]} .

وقاله : عطاء{[27787]} ، وعكرمة ، والحسن ، والسدي{[27788]} .

وقيل : إن هذا من الله تخفيف ، وليس بنسخ ، فإنه لم يقل : لا يقاتل الواحد العشرة ، إنما خفف عنهم ما كان فرض عليهم ، ونظير ذلك : إفطار الصائم في السفر ، إنما{[27789]} هو تخفيف ، ولا يقال له نسخ ، ألا ترى أنه لو صام لم يأثم ، وأجزأه صومه{[27790]} .

ومن قرأ : { وإن{[27791]} تكن منكم مائة } ، ب : " التاء " {[27792]} ، فعلى تأنيث اللفظ{[27793]} .

ومن قرأ ب : " الياء " {[27794]} ، فلأنه تأنيث غير حقيقي ، إذ المعنى : مائة رجل{[27795]} .

وقرأ أبو جعفر{[27796]} : { وعلم أن فيكم ضعفا } ، بالمد ، جمع ضعيف{[27797]} .


[27780]:جامع البيان 14/51، باختصار.
[27781]:هو قول ابن عباس، رواه عنه عطاء بن أبي رباح، انظر: مصادر التوثيق ص: 661، هامش 2.
[27782]:قوله: {يا أيها النبي حرض المومنين على القتال ...} الآية.
[27783]:زيادة من "ر".
[27784]:قوله: {ألان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا...ّ} الآية.
[27785]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[27786]:سيرة ابن هشام 1/675، وجامع البيان 14/52، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1728، وتفسير ابن كثير 2/324، بتصرف في بعض ألفاظه.
[27787]:قوله، أعلاه: "قال عطاء..." سهو منه رحمه الله، انظر: ما سلف قريبا.
[27788]:في تفسير ابن أبي حاتم 5/1729: "وروي عن عطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وزيد بن أسلم، وعطاء الخرساني، والضحاك نحو ذلك". وفي صحيح البخاري: كتاب التفسير باب: "يا أيها النبي حرض المومنين على القتال...}، رقم 4375: "قال سفيان: وقال ابن شُبرمة: وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا". وزاد الشوكاني في فتح القدير 2/371: "إن كان رجلين أمرهما، وإن كانوا ثلاثة فهو من سعة من تركهم".
[27789]:في الأصل: إنها، وهو تحريف.
[27790]:هو قول النحاس في الناسخ والمنسوخ 149. قال في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه 301: "وقد قيل: إن هذا ليس بنسخ، وإنما هو تخفيف ونقص من العدد، وحكم الناسخ أن يرفع حكم المنسوخ كله، ولم يرفع في هذا حكم المنسوخ كله إنما نقص منه وخفف، وبقي باقيه على حكمه، ويدل على هذا أن من وقف لعشرة فأكثر فليس ذلك بحرام عليه، بل هو مثاب مأجور...".
[27791]:في المخطوطتين: "إن" وأثبت ما في نص التلاوة.
[27792]:وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عامر، كتاب السبعة في القراءات 308، وإعراب القراءات السبع 1/232، وحجة القراءات 313.
[27793]:قال في الكشف 1/495: "...حملوه على تأنيث لفظ المائة". والتعليل نفسه في إعراب القراءات السبع 1/332، وحجة القراءات 313.
[27794]:وهي قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي. المصادر نفسها السالفة في توثيق القراءة بالتاء وينظر المبسوط في القراءات العشر 222.
[27795]:انظر: الكشف 1/494-495، وفيه: "...حُمِل على التذكير، على معنى المائة لا على لفظها". وحجة القراءات 313. وقرأ أبو عمرو: {فإن تكن منكم مائة صابرة}، بالتاء، والأخرى بالياء. كتاب السبعة في القراءات 308، ليعلم أن هذه جائزة وهذه جائزة، كما نص ابن خالويه في إعراب القراءات السبع 1/232، انظر: الكشف 1/495. قال مكي، المصدر السابق: "والقراءة بتأنيث الفعل فيهما لتأنيث لفظ المائة أحب إليّ؛ لأن عليه أهل الحرمين وابن عامر".
[27796]:هو: يزيد بن القعقاع المدني، الإمام أبو جعفر القارئ، أحد القراء العشرة، تابعي مشهور، توفي سنة 127هـ. وقيل غير ذلك. انظر: قراءات القراء المعروفين 41، وما بعدها، ومعرفة القراء الكبار 1/72، وغاية النهاية 2/382.
[27797]:إعراب القرآن للنحاس 2/196، وفيه: "كما يقال: كريم وكرماء" ومختصر في شواذ القرآن 55، والمبسوط 222، وفيه: "بضم الضاد، وفتح العين، والمد والهمز، على جمع ضعيف"، وزاد المسير 3/379، وفيه: "على فُعلاء"، والمحرر الوجيز 2/551، وفيه: "وحكاها النقاش عن ابن عباس"، والبحر المحيط 4/513، والدر المصون 3/436، وفيه: "وقرأ ابن عباس فيما حكى عن النقاش وأبو جعفر". وابن عباس، رضي الله عنهما، من شيوخ أبي جعفر، كما في مصادر ترجمته أعلاه. وفي معاني القرآن للزجاج 2/424: "وقرأ بعض الشيخة [بوزن عِنبة المختار / شيخ]: "وعلم أن فيكم ضعفاء"، على فعلاء، على جمع ضعيف وضعفاء" انظر: جامع البيان 14/57، 58. وهناك قراءتان سبعيتان: {ضعفا}: بضم الضاد، وبها قرأ: ابن كثير، ونافع وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، وبفتحها، وبها قرأ: عاصم، وحمزة وفي الكشف 1/495: "...وهما لغتان مصدران بمعنى". يقال: هو الضَّعف والضُّعف، والمَكْث والمُكْث، والفَقْر والفُقر، وباب فَعْل وفُعَل بمعنى واحد في اللغة كثير، كما في معاني القرآن للزجاج 2/424، انظر: إصلاح المنطق 89، وما بعدها، باب فَعْل وفُعْل باتفاق معنى.