مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا} (70)

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ } بالعقل والنطق والخط والصورة الحسنة والقامة المعتدلة وتدبير أمر المعاش والمعاد والاستيلاء وتسخير الأشياء وتناول الطعام بالأيدي . وعن الرشيد أنه أحضر طعاماً فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف رحمه الله تعالى فقال له : جاء في تفسير جدك ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ } جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه { وحملناهم فِى البر } على الدواب { والبحر } على السفن { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطيبات } باللذيذات أو بما كسبت أيديهم { وفضلناهم على كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } أي على الكل كقوله { وَأَكْثَرُهُمْ كاذبون } [ الشعراء : 223 ] قال الحسن : أي كلهم وقوله : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّا } [ يونس : 36 ] ذكر في الكشاف أن المراد بالأكثر الجميع . وعنه عليه السلام : " المؤمن أكرم على الله من الملائكة " وهذا لأنهم مجبولون على الطاعة ففيهم عقل بلا شهوة . وفي البهائم شهوة بلا عقل ، وفي الآدمي كلاهما ، فمن غلب عقله شهوته فهو أكرم من الملائكة ، ومن غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم ، ولأنه خلق الكل لهم وخلقهم لنفسه