محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ} (16)

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ } أي بل للإنعام عليهم . وما أنعمنا عليهم بذلك إلا ليقوموا بشكرها وينصرفوا إلى ما خلقوا له . قال الزمخشري عليه الرحمة : أي وما سوينا هذا السقف المرفوع وهذا المهاد الموضوع وما بينهما من أصناف الخلائق ، مشحونة بضروب البدائع والعجائب ، كما تسوي الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم ، للهو واللعب . وإنما سويناها للفوائد الدينية ، والحكم الربانية ، لتكون مطارح افتكار واعتبار واستدلال ونظر لعبادنا ، مع ما يتعلق لهم بها من المنافع التي لا تعد والمرافق التي لا تحصى . وقال أبو السعود : في هذه الآية إشارة إجمالية إلى أن تكوين العالم وإبداع بني آدم ، مؤسس على قواعد الحكم البالغة ، المستتبعة للغايات الجليلة . وتنبيه على أن ما حكي من العذاب الهائل والعقاب النازل بأهل القرى ، من مقتضيات تلك الحكم ومتفرعاتها . عن حسب اقتضاء أعمالهم إياه . وإن للمخاطبين المقتدين بآثارهم ذنوبا مثل ذنوبهم . أي ما خلقناهما وما بينهما على هذا النمط البديع والأسلوب المنيع ، خالية عن الحكم الخالي عن الحكمة . بتصويره بصورة ما لا يرتاب أحد في استحالة صدوره عنه تعالى . بل إنما خلقناهما وما بينهما لتكون مبدأ لوجود الإنسان وسببا لمعاشه . ودليلا يقوده إلى تحصيل معرفتنا التي هي الغاية القصوى ، بواسطة طاعتنا وعبادتنا . كما ينطق به قوله تعالى : { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا } وقوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }