محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ} (23)

{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } .

{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } أي هو الحاكم الذي لا معقب لحكمه ، ولا يعترض عليه أحد لعظمته وجلاله وكبريائه ولعلوه وحكمته وعدله ولطفه { وَهُمْ يُسْأَلُونَ } الضمير للعباد . أي يسألون عما يفعلون كقوله ( : { فوربك لنسئلنهم أجمعين * عما كانوا يعملون } .

قال الزمخشري : إذا كانت عادة الملوك والجبابرة أن لا يسألهم من في مملكتهم عن أفعالهم وعما يوردون ويصدرون من تدبير ملكهم ، تهيبا وإجلالا ، مع جواز الخطأ والزلل وأنواع الفساد عليهم ، كان ملك الملوك ورب الأرباب خالقهم ورازقهم ، أولى بأن لا يسأل عن أفعاله ، مع ما علم واستقر في العقول من أن ما يفعله كله مفعول بحكمته ، ولا يجوز عليه خطأ ، ثم قال : { وَهُمْ يُسْأَلُونَ } أي هم مملوكون مستعبدون خطاءون . فما أخلقهم بأن يقال لهم : لم فعلتم ؟ في كل شيء فعلوه . انتهى .

قال ابن كثير : وهذه الآية كقوله تعالى : { وهو يجير ولا يجار عليه } .

تنبيه :

قال الإمام الغزالي في ( المضمون به على غير أهله ) : وأما معنى قول الله تعالى : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } ، وقوله تعالى : { لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا } فالسؤال قد يطلق ويراد به الإلزام . يقال : ناظر فلان فلانا وتوجه عليه سؤاله . وقد يطلق ويراد به الاستخبار ، كما يسأل التلميذ أستاذه . والله تعالى لا يتوجه عليه السؤال بمعنى الإلزام وهو المعني بقوله : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } إذ لا يقال : { لم } قول إلزام . فأما أن لا يستخبر ولا يستفهم ، فليس كذلك . وهو المراد بقوله : { لم حشرتني أعمى } .