محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَمِ ٱتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ} (21)

ثم أشار إلى تقرير وحدانيته في ألوهيته ونفي الأنداد ، إثر تقريره أمر الرسالة – فإن ما سلف من أول السورة كان في تحقيق شأن النبوة بقوله سبحانه :{ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ } أي يبعثون الموتى ويخرجونهم من العدم إلى الوجود .

أي بل اتخذوا آلهة من الأرض هم مع حقارتهم وجماديتهم ينشرون الموتى . كلا فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل من ذلك . فكيف جعلوها لله ندا ، وعبدوها معه ؟

قال الزمخشري رحمه الله : فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر ، وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم ؟ كيف ، وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى ؟ وذلك أنهم كانوا مع إقرارهم لله عز وجل بأنه خالق السماوات والأرض : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } وبأنه القادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى ، منكرين للبعث . ويقولون : من يحيي العظام وهي رميم ؟ وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر كثاني القديم . فكيف يدعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة رأسا ؟

قلت : الأمر كما ذكرت . ولكنهم بادعائهم لها الإلهية ، يلزمهم أن يدعوا لها الإنشار . لأنه لا يستحق هذا الاسم إلا القادر على كل مقدور . والإنشار من جملة المقدورات . انتهى .

قال في ( الإنتصاف ) : فيكون المنكر عليهم صريح الدعوى ولازمها . وهو أبلغ في الإنكار .

ثم قال الزمخشري : وفيه باب من التهكم والتوبيخ والتجهيل وإشعار بأن ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده . لأن الإلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإبداء والإعادة . انتهى .

لطيفة :

سر قوله تعالى : { من الأرض } هو التحقير ، أي تحقير الأصنام بأنها أرضية سفلية . وجوز إرادة التخصيص . أي الآلهة التي من جنس الأرض . لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة أو تعمل من بعض جواهر الأرض . وإنما خصص الإنكار بها ، لأن ما هو أرضي مصنوع بأيديهم كيف يدعي ألوهيته ؟