محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (142)

ثم أنكر تعالى عليهم حسبانهم وظنهم أنهم يدخلون الجنة بدون الجهاد في سبيله والصبر على أذى أعدائه ، وأن هذا ممتنع بحيث ينكر على من ظنه وحسبه فقال :

/

142

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين142 ) .

( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) : أي ولما يقع ذلك منكم فيعلمه ، فانه لو وقع لعلمه فجازاكم عليه بالجنة ، فيكون الجزاء على الواقع المعلوم ، لا على مجرد العلم ، فان الله لا يجزي العبد على مجرد علمه فيه دون أن يقع معلومه –أفاده ابن القيم-

و في ( الكشاف ) ( ولما يعلم الله ) : بمعنى ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم ، فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقة ، لأنه منتف بانتفائه ، يقول الرجل : ما علم الله في فلان خيرا ، يريد ما فيه خير حتى يعلمه ، و ( لما ) بمعنى ( لم ) ، الا أن فيها ضربا من التوقع ، فدل على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقعه فيما يستقبل ، وتقول : وعدني أن يفعل كذا ولما . تريد . ولما يفعل ، وأنا أتوقع فعله .

لطيفة :

قال أبو مسلم في ( أم حسبتم ) : انه نهي وقع بحرف الاستفهام الذي يأتي للتبكيت . وتلخيصه : لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولم يقع منكم الجهاد ، وهو كقوله : ( الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) . وافتتح الكلام بذكر ( أم ) التي هي أكثر ما تأتي في كلامهم واقعة بين ضربين ، يشك في أحدهما لا بعينه . يقولون : أزيدا ضربت أم عمرا ؟ مع تيقن وقوع الضرب بأحدهما . قال : وعادة العرب يأتون بهذا الجنس من الاستفهام توكيدا ، فلما قال ( ولا تهنوا ولا تحزنوا ) كأنه قال : أفتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر . وانما استبعد هذا لأن الله تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة ، وأوجب الصبر على تحمل متاعبها ، وبين وجوه المصالح فيها في الدين / وفي الدنيا ، فلما كان كذلك ، فمن البعيد أن يصل الانسان الى السعادة والجنة مع اهمال هذه الطاعة –انتهى- .