غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (142)

142

التفسير : إنه سبحانه لما ذكر فوائد مداولة الأيام وحكمها ، أتبعها ما هو السبب الأصلي في ذلك فقال : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } بدون تحمل المشاق . و " أم " منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار و " لما " بمعنى " لم " مع زيادة التوقع . وليس المراد نفي العلم بالمجاهدين ولكن المراد نفي المعلوم . وإنما حسن إقامة ذلك مقام هذا لأن العلم متعلق بالمعلوم كما هو عليه ، فلما حصلت بينهما هذه المطابقة حسن إقامة أحدها مقام الآخر . تقول : ما علم الله في فلان خيراً أي ما فيه خير حتى يعلمه . فحاصل الكلام لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولم تجاهدوا بعد . وإنما أنكر هذا الحسبان لأنه تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة ، وأوجب الصبر على تحمل متاعبها ، وبين وجوه المصالح المنوطة بها في الدين والدنيا . وإذا كان كذلك فمن البعيد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال مثل هذه الطاعة . والواو في قوله : { ويعلم الصابرين } واو الجمع في قولهم : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . كأنه قيل : إن دخول الجنة وترك المصابرة على الجهاد مما لا يجتمعان فليس كل من أقر بدين الله كان صادقاً ، ولكن الفيصل فيه تسليط المكروهات ومخالفات النفس فإن الحب هو الذي لا ينقص بالجفاء ولا يزداد بالوفاء . وقيل : التقدير أظننتم أن تدخلوا الجنة قبل أن يعلم الله المجاهدين وأن يعلم الصابرين ؟ ووجه آخر وهو أن يكون مجزوماً أيضاً لكن الميم لما حركت للساكنين حركت بالفتحة إتباعاً للفتحة قبلها .

وهذا كما قرئ { ولما يعلم الله } : بفتح الميم إلا أن يراد ولما يعلمن بالنون الخفيفة ثم حذفت . وقرأ الحسن { ويعلم } بالجزم على العطف . وروي عن أبي عمرو { ويعلم } بالرفع على الحال كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون

/خ150