تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (142)

142- { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } .

أم : هنا أفادت الانتقال من الكلام السابق إلى الكلام اللاحق واستعباد أن يظنوا دخول الجنة بدون جهاد وصبر عليه .

والمعنى : بل أظننتم ان تدخلوا الجنة ولما يتحقق جهاد المجاهدين منكم وصبر الصابرين عليه فيعلم الله ذلك واقعا دالا على صدق الإيمان مستتبعا لدخول الجنان . . .

وكلمة لما : وإن أفادت نفي ما بعدها من الجهاد والصبر ولكنها تفيد توقع حصولها منهم وقد وقعا فعلا في الغزوات التي تلت احد100 .

قال الطبري : المعنى : أظننتم يا معشر أصحاب محمد أن تنالوا كرامة ربكم ولما يتبين لعبادي المؤمنين المجاهدين منكم في سبيل الله والصابرون عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من ألم ومكروه101 .

ويصح أيضا أن يكون العلم هنا بمعنى التمييز ويكون المعنى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة جميعا ولما يميز الله المجاهدين منكم والصابرين من غيرهم102 .

والآية الكريمة تشير إلى أن الطريق إلى الجنة ليس سهلا يسلكه كل إنسان وإنما هو طريق محفوف بالمكاره والشدائد ولا يصل إلى غايته إلا الذين جاهدوا وصبروا وصابروا103 .

وجاء في تفسير المنار : والجهاد هنا أعم من الحرب للدفع عن الدين وأهله وإعلاء كلمته ومن الجهاد جهاد النفس الذي روى عن السلف التعبير عنه بالجهاد الأكبر ومن أمثلته مجاهدة الإنسان لشهواته ولاسيما في سن الشباب وجهاده بماله وما يبتلي به من مدافعة الباطل ونصرة الحق .

قال الإمام محمد عبده : . . إن لله في كل نعمة عليك حقا وللناس عليك حقا وأداء هذه الحقوق يشق على النفس فلابد من جهادها يسهل عليها آداؤها وربما يفضل بعض جهاد النفس جهاد الأعداء في الحب فإن الإنسان إذا أراد أن يبث فكرة صالحة في الناس أو يدعوهم إلى خيرهم من إقامة سنة أو مقاومة بدعة أو النهوض بمصلحة فإنه يجد أمامه من الناس من يقاومه ويؤذيه إيذاء قلما يصبر عليه احد وناهيك بالتصدي لإصلاح عقائد العامة وعادتهم وما الخاصة في ضلالهم إلا أصعب مراسا من العامة .