محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَهُمۡ يَنۡهَوۡنَ عَنۡهُ وَيَنۡـَٔوۡنَ عَنۡهُۖ وَإِن يُهۡلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (26)

[ 26 ] { وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعون ( 26 ) } .

{ وهم ينهون عنه } أي : لا يقنعون بما ذكر من تكذيبه ، بل ينهون الناس عن استماعه .

قال المهايمي : وهم لرؤيتهم حلاوة نظمه فوق نثرهم وشعرهم ، مع متانة معانيه . يعرفون أن التدبر فيه يفيد التطلع على إعجازه . فيخافون تأثيره في قلوب الخلائق . لذلك ينهون عنه . أي : عن قراءته واستماعه ، لئلا يدعوهم إلى التدبير فيه ، فيفسد عليهم أغراضهم الفاسدة .

{ وينأون عنه } أي : يتباعدون عنه بأنفسهم ، إظهارا لغاية نفورهم عنه ، وتأكيدا لنهيهم عنه . فإن اجتناب الناهي عن المنهي عنه ، من متممات النهي . ولعل ذلك هو السر في تأخير ( النأي ) عن ( النهي ) - أفاده أبو السعود- .

ولما أشعر ذلك بكونهم يبغون الغوائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، خوفا من قوة تأثير التنزيل في القلوب ، أتبعه بأنه لا يحصل لهم هذا المطلوب ، لأن الله متم نوره ، ومظهر دينه ، وإن الدائرة عليهم بقوله : { وإن يهلكون إلا أنفسهم } بتعريضها لأشد العذاب عاجلا وآجلا { وما يشعرون } أي بذلك .

تنبيه :

روى الحاكم وغيره ، عن ثلة من التابعين ، أن هذه الآية نزلت في أبي طالب ، كان ينهى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى ، وينأى عنه فلا يؤمن به ، وجمعيته حينئذ ، باعتبار استتباعه لأتباعه .

وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنها نزلت في عمومة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا عشرة ، / فكانوا أشد الناس معه في العلانية ، وأشدهم عليه في السر . ولا يخفى أن لفظ التنزيل مما يصدق على ما ذكر ولا ينافيه ، وهو المراد بالنزول – كما أسلفنا مرارا- وقد قال أبو طالب يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم***حتى أوسَّد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة*** وابشر بذاك وقر منه عيونا

ودعوتني وزعمت أنك ناصح*** ولقد صدقت وكنت ثم أمينا

وعرضت دينا لا محالة أنه***من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذارى سبة*** لوجدتني سمحا بذاك مبينا

وفي { ينهون } و { ينأون } تجنيس بديع .