محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ} (10)

{ فأنت عنه تلهى } أي تعرض وتتشاغل بغيره .

تنبيهات

الأول قال السيوطي في ( الإكليل ) في هذه الآيات حث على الترحيب بالفقراء والإقبال عليهم في مجالس العلم وقضاء حوائجهم وعدم إيثار الأغنياء عليهم وقال الزمخشري لقد تأدب الناس بأدب الله في هذا تأدبا حسنا ، فقد روي عن سفيان الثوري رحمه الله أن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء .

الثاني : في هذه الآيات ونحوها دليل على عدم ضنه صلى الله عليه وسلم بالغيب قال ابن زيد كان يقال لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم من الوحي شيئا كتم هذا عن نفسه .

الثالث : قال الرازي القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام ، تمسكوا بهذه الآية قالوا لما عاتبه الله في ذلك الفعل دل على أن ذلك الفعل كان معصية ، وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين إلا بحسب هذا الاعتبار الواحد ، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وذلك غير لائق بصلابة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان كذلك كان ذلك جاريا مجرى ترك الاحتياط وترك الأفضل فلم يكن ذلك ذنبا البتة .

وأجاب الإمام ابن حزم في ( الفصل ) بقوله وأما قوله { عبس وتولى } الآيات فإنه كان عليه السلام قد جلس إليه عظيم من عظماء قريش ورجا إسلامه وعلم عليه السلام أنه لو أسلم لأسلم بإسلامه ناس كثير ، وأظهر الدين وعلم أن هذا الأعمى الذي يسأله عن أشياء من أمور الدين لا يفوته وهو حاضر معه فاشتغل عنه عليه السلام بما خاف فوته من عظيم الخبر عما لا يخاف فوته وهذا غاية النظر في الدين والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الأمر ونهاية التقرب إلى الله الذي لو فعله اليوم منا فاعل لأجر فعاتبه الله عز وجل على ذلك ، إذ كان الأولى عند الله تعالى أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقي وهذا نفس ما قلناه انتهى .

وقال القاشاني كان صلى الله عليه وسلم في حجر تربية ربه لكونه حبيبا فكلما ظهرت نفسه بصفة حجبت عنه نور الحق عوتب وأدب كما قال {[7347]} " أدبني ربي فأحسن تأديبي " إلى أن تخلق بأخلاقه تعالى انتهى


[7347]:في كشف الخفاء (164) رواه العسكري عن علي رضي الله عنه.