الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ} (10)

{ فَأَنتَ عَنْهُ تلهى } أي تَشْتَغِلُ ، تَقُولُ لَهِيتُ عن الشيء ألْهَى إذا اشْتَغَلْتُ عنه ، ولَيْسَ من اللَّهْوِ ، وهذه الآيةُ السببُ فيها هذا ؛ ثم هِي بَعْدُ تَتَنَاولُ مَنْ شَارَكَهم في هذه الأوصافِ ، فحمَلةُ الشَّرْعِ والعِلم مخاطبونَ بتقريبِ الضَّعِيفِ من أهلِ الخير وتقديمِه على الشريفِ العارِي من الخيرِ ، مثلَ ما خُوطِبَ بهِ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورةِ ، قال عياضٌ : وليسَ في قوله تعالى : { عَبَسَ وتولى } الآيةَ ، ما يَقْتَضِي إثباتَ ذَنْبٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ، أو أنه خَالفَ أمْرَ ربِّه سبحانه ، وإنَّما في الآيةِ الإعلامَ بحال الرجلينِ ، وتَوْهِينِ أَمْرِ الكافرِ ، والإشارةُ إلى الإعراضِ عنه ، انتهى . قال السهيلي : وانظرْ كيفَ نزلتِ الآيةُ بلفظِ الإخبارِ عن الغائبِ فقال : { عَبَسَ وتولى } ولم يقل : عَبَسْتَ وتولَّيْتَ ، وهذا يُشْبِهُ حال العاتِب المُعْرِضِ ، ثم أقبل عَلَيْهِ بمواجَهَةِ الخطابِ فقال : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى } الآية ، عِلماً منْه سبحانه أنَّه لَمْ يَقْصِدْ بالإعراضِ عن ابن أم مكتوم إلا الرغبةَ في الخيرُ ودخولِ ذلكَ المشركِ في الإسلام ؛ إذ كان مثلُه يُسْلِم بإسلامِه بَشَرٌ كثيرٌ ، فكلَّمَ نبيَّهُ حينَ ابتدأَ الكلامَ بِمَا يشبه كلامَ المُعْرِضِ عنه العاتِب له ، ثم واجَهَهُ بالخطابِ تأنيساً له عليه السلام ، انتهى .