تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

رقيب : مراقب .

عتيد : مهيأ ، حاضر .

وكل شيء مسجَّلٌ عليه تسجيلاً دقيقا .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

{ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } ما يرمي به من فيه خيراً كان أو شراً ، وقرأ محمد بن أبي معدان { مَّا يَلْفِظُ } بفتح الفاء { إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } ملك يرقب قوله ويكتبه فإن كان خيراً فهو صاحب اليمين وإن كان شراً فهو صاحب الشمال { عَتِيدٌ } معد مهيأ لكتابة ما أمر به من الخير أو الشر ، وتخصيص القول بالذكر لإثبات الحكم في الفعل بدلالة النص واختلف فيما يكتبانه فقال الإمام مالك . وجماعة : يكتبان كل شيء حتى الأنين في المرض ، وفي «شرح الجوهرة » للقاني مما يجب اعتقاده أن لله تعالى ملائكة يكتبون أفعال العباد من خير أو شر أو غيرهما قولاً كانت أو اعتقاداً هما كانت أو عزماً أو تقريراً اختارهم سبحانه لذلك فهم لا يعملون من شأنهم شيئاً فعلوه قصداً وتعمداً أو ذهولاً ونسياناً صدر منهم في الصحة أو في المرض كما رواه علماء النقل والرواية انتهى . وفي بعض الآثار ما يدل على أن الكلام النفسي لا يكتب ، أخرج البيهقي في «الشعب » عن حذيفة بن اليمان أن للكلام سبعة أغلاق إذا خرج منها كتب وأن لم يخرج لم يكتب القلب واللها واللسان والحنكان والشفتان ، وذهب بعضهم إلى أن المباح لا يكتبه أحد منهما لأنه لا ثواب فيه ولا عقاب والكتابة للجزاء فيكون مستثنى حكماً من عموم الآية وروى ذلك عن عكرمة .

وأخرج ابن أبي شيبة . وابن المنذر . والحاكم وصححه . وابن مردويه من طريقه عن ابن عباس أنه قال : إنما يكتب الخير والشر لا يكتب يا غلام أسرج الفرس ويا غلام اسقني الماء ، وقال بعضهم : يكتب كل ما صدر من العبد حتى المباحات فإذا عرضت أعمال يومه محى منها المباحات وكتب ثانياً ما له ثواب أو عقاب وهو معنى قوله تعالى : { يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } [ الرعد : 39 ] وقد أشار اليوطي إلى ذلك في بعض رسائله وجعل وجهاً لجلمع بين القولين بكتابة المباح والقول بعدمها وقد روى نحوه عن ابن عباس . أخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى أنه ليكتب قوله : أكلت وشربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقى سائره فذلك قوله تعالى : { يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ } ثم إن المباح على القول بكتابته يكتبه ملك الشمال على ما يشعر به ما أخرجه ابن أبي شيبة . والبيهقي في «شعب الايمان » من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية أن رجلاً كان على حمار فعثر به فقال : تعست فقال صاحب اليمين : ما هي بحسنة فأكتبها وقال صاحب الشمال ما هي بسيئة فأكتبها فنودي صاحب الشمال إن ما تركه صاحب اليمين فاكتبه ، وجاء في بعض الأخبار أن صاحب اليمين أمين على صاحب الشمال ، وقد أخرج ذلك الطبراني .

وابن مردويه . والبيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة مرفوعاً ، وفيه " فإذا عمل العبد حسنة كتبت له بعشر أمثالها وإذا عمل سيئة وأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين أمسك فيمسك ست ساعات أو سبع ساعات فإن استغفر الله تعالى منها لم يكتب عليه منها شيئاً وإن لم يستغفر الله تعالى كتبت عليه سيئة واحدة " ومثل الاستغفار كما نص عليه فعل طاعة مكفرة في حديث آخر أن صاحب اليمين يقول : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر ، وظاهر الآية عموم الحكم للكافر فمعه أيضاً ملكان يكتبان ما له وما عليه من أعماله وقد صرح بذلك غير واحد وذكروا أن ماله الطاعات التي لا تتوقف على نية كالصدقة وصلة الرحم وما عليه كثير لاسيما على القول بتكليفه بفروع الشريعة .

وفي «شرح الجوهرة » الصحيح كتب حسنات الصبي وإن كان المجنون لا حفظة عليه لأن حاله ليست متوجهة للتكليف بخلاف الصبي وظاهر الآية شمول الحكم له وتردد الجزولي في الجن والملائكة أعليهن حفظة أم لا ثم جزم بأن على الجن حفظة وأتبعه القول بذلك في الملائكة عليهم السلام ، قال اللقاني بعد نقله : ولم أقف عليه في الجن لغيره ويفهم منه أنه وقف عليه في الملائكة لغيره ولعله ما حكى عن بعضهم أن المراد بالروح في قوله تعالى : { تَنَزَّلُ الملائكة والروح } [ القدر : 4 ] الحفظة على الملائكة ، ويحتاج دعوى ذلك فيهم وفي الجن إلى نقل .

وأما اعتراض القول به في الملائكة بلزوم التسلسل فمدفوع بما لا يخفى على المتأمل ثم إن بعضهم استظهر في الملكين اللذين مع الإنسان كونهما ملكين بالشخص لا بالنوع لكل إنسان يلزمانه إلى مماته فيقومان عند قبره يسبحان الله تعالى ويحمدانه ويكبرانه ويكتبان ثواب ذلك لصاحبهما إن كان مؤمناً .

/ أخرج أبو الشيخ في العظمة . والبيهقي في «شعب الايمان » عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى وكل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فإذا مات قال الملكان اللذان وكلا به : قد مات فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله تعالى : سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني فيقولان : أنقيم في الأرض ؟ فيقول الله تعالى : أرضي مملوءة من خلقي يسبحوني فيقولان فأين ؟ فيقول : قوماً على قبر عبدي فسبحاني واحمداني وكبراني واكتبا ذلك لعبدي إلى يوم القيامة ، وجاء أنهما يلعنانه إلى يوم القيامة إن كان كافراً "

وقال الحسن : الحفظة أربعة اثنان بالنهار واثنان بالليل وهو يحتمل التبدل بأن يكون في كل يوم وليلة أربعة غير الأربعة التي في اليوم والليلة قبلهما وعدمه .

وقال بعضهم : إن ملك الحسنات يتبدل تنويهاً بشأن الطائع وملك السيإت لا يتبدل ستراً على العاصي في الجملة ، والظاهر أنهما لا يفارقان الشخص وقالوا : يفارقانه عند الجماع ودخول الخلاء ، ولا يمنع ذلك من كتبهما ما يصدر عنه في تلك الحال ، ولهما علامة للحسنة والسيئة بدنيتين كانا أو قلبيتين ، وبعض الأخبار ظاهرة في أن ما في النفس لا يكتب ، أخرج ابن المبارك . وابن أبي الدنيا في الإخلاص . وأبو الشيخ في العظمة عن ضمرة بن حبيب قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الملائكة يصعدون بعمل العبد من عباد الله تعالى فيكثرونه ويزكونه حتى ينتهوا به حيث شاء الله تعالى من سلطانه فيوحى الله تعالى إليهم إنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إن عبدي هذا لم يخلص لي عمله فاجعلوه في سجين قال : ويصعدون بعمل العبد من عباد الله تعالى فيستقلونه ويحتقرونه حتى ينتهوا به حيث شاء الله تعالى من سلطانه فيوحى الله تعالى إليهم إنكم حفظة على عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه فضاعفوه له واجعلوه في عليين " وجاء من حديث عبد الله بن أحمد في «زوائد الزهد » عن أبي عمران الجوني أنه ينادي الملك اكتب لفلان بن فلان كذا وكذا أي من العمل الصالح فيقول : يا ربو إنه لم يعمله فيقول : سبحانه وتعالى إنه نواه ، وقد يقال : إنهما يكتبان ما في النفس ما عدا الرياء والطاعات المنوية جمعاً بين الأخبار ، وجاء أن يكتب للمريض والمسافر مثل ما كان يعمل في الصحة والإقامة من الحسنات .

أخرج ابن أبي شيبة . والدارقطني في «الإفراد » . والطبراني . والبيهقي في «الشعب » عن عبد الله بن عمرو قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد من المسلمين يبتلي ببلاء في جسده إلا أمر الله تعالى الحفظة فقال : اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما دام مشدوداً في وثاقي " وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرض أو سافر كتب الله تعالى له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً " وفي بعض الآثار ما يدل على أن بعض الطاعات يكتبها غير هذين الملكين ، ثم إن الملائكة الذين مع الإنسان ليسوا محصورين بالملكين الكاتبين ، فعن عثمان أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم كم ملك على الإنسان ؟ فذكر عشرين ملكاً قاله المهدوي في «الفيصل » ، وذكر بعضهم أن المعقبات في قوله تعالى : { لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله } [ الرعد : 11 ] غير الكاتبين بلا خلاف ، وحكى اللقاني عن ابن عطية أن كل آدمي يوكل به من حين وقوعه نطفة في الرحم إلى موته أربعمائة ملك ، والله تعالى أعلم بصحة ذلك .

وروى ابن المنذر . وأبو الشيخ في العظمة عن ابن المبارك أنه قال : وكل بالعبد خمسة أملاك ملكان بالليل وملكان بالنهار يجيئان ويذهبان وملك خامس لا يفارقه لا ليلاً ولا نهاراً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ } خير أو شر { إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } أي : مراقب له ، حاضر لحاله ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

قوله تعالى : { ما يلفظ من قول } ما يتكلم من كلام فيلفظه أي : يرميه من فيه ، { إلا لديه رقيب } حافظ ، { عتيد } حاضر أينما كان . قال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين : عند غائطه ، وعند جماعه . وقال مجاهد يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه . وقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يوزر فيه . وقال الضحاك : مجلسهما تحت الشعر على الحنك ، ومثله عن الحسن ، وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا الحسين بن محمد ابن الحسين الدينوري ، حدثنا إسماعيل بن جعفر بن حمدان ، حدثنا الفضل بن العباس ابن مهران ، حدثنا طالوت حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا جعفر بن الزبير عن القاسم ابن محمد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاتب الحسنات على يمين الرجل ، وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر " .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

قوله : { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } يعني ما يتكلم ابن آدم بكلمة إلا ومعه { رقيب } ، وهو ملك يرقب قوله فيكتبه . و { عتيد } ، وهو الحاضر المهيأ{[4319]} .

واختلف أهل التأويل ، هل يكتب الملك كل شيء من الكلام . ثمة أقوال في ذلك . فقد قيل : يكتب على ابن آدم كل شيء حتى الأنين في مرضه ، فقد ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه فبلغه عن طاووس أنه قال : يكتب الملك كل شيء حتى الأنين ، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله . وقيل : لا يكتب إلا ما يؤجر به المرء أو يؤزر عليه . وقيل : يكتب عليه كل ما يتكلم به حتى إذا كان آخر النهار محي عنه ما كان مباحا مما لا علاقة له بالأجر أو الوزر .


[4319]:مختار الصحاح ص 410.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ما يلفظ} ابن آدم {من قول إلا لديه رقيب عتيد} يقول: إلا عنده حافظ قعيد يعني مَلَكَيْه...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "يقول تعالى ذكره: ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم به، إلا عندما يلفظ به من قول "رقيب عَتيد"، يعني حافظ يحفظه، عتيد: مُعَدّ... عن مجاهد "إذ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ" قال ملك عن يمينه، وآخر عن يساره، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير، وأما الذي عن شماله فيكتب الشرّ.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

أي ما يتكلم بشيء، مأخوذ من لفظ الطعام، وهو إخراجه من الفم. {إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه المتتبع للأمور. الثاني: أنه الحافظ...

الثالث: أنه الشاهد...

وفي {عَتِيدٌ} وجهان: أحدهما: أنه الحاضر الذي لا يغيب. الثاني: أنه الحافظ المعد إما للحفظ وإما للشهادة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ما يلفظ} أي يرمي ويخرج المكلف من فيه، وعم في النفي بقوله: {من قول} أي مما تقدم النهي عنه في الحجرات من الغيبة وما قبلها وغير ذلك قل أو جل {إلا لديه} أي الإنسان أو القول على هيئة من القدرة والعظمة هي من أغرب المستغرب {رقيب} من حفظتنا شديد المراعاة له في كل من أحواله {عتيد} أي حاضر مراقب غير غافل بوجه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ونحن لا ندري كيف يسجلان. ولا داعي للتخيلات التي لا تقوم على أساس. فموقفنا بإزاء هذه الغيبيات أن نتلقاها كما هي، ونؤمن بمدلولها دون البحث في كيفيتها، التي لا تفيدنا معرفتها في شيء. فضلا على أنها غير داخلة في حدود تجاربنا ولا معارفنا البشرية.

ولقد عرفنا نحن -في حدود علمنا البشري الظاهر- وسائل للتسجيل لم تكن تخطر لأجدادنا على بال. وهي تسجل الحركة والنبرة كالأشرطة الناطقة وأشرطة السينما وأشرطة التليفزيون. وهذا كله في محيطنا نحن البشر. فلا داعي من باب أولى أن نقيد الملائكة بطريقة تسجيل معينة مستمدة من تصوراتنا البشرية المحدودة، البعيدة نهائيا عن ذلك العالم المجهول لنا، والذي لا نعرف عنه إلا ما يخبرنا به الله. بلا زيادة!

وحسبنا أن نعيش في ظلال هذه الحقيقة المصورة، وأن نستشعر ونحن نهم بأية حركة وبأية كلمة أن عن يميننا وعن شمالنا من يسجل علينا الكلمة والحركة؛ لتكون في سجل حسابنا، بين يدي الله الذي لا يضيع عنده فتيل ولا قطمير.

حسبنا أن نعيش في ظل هذه الحقيقة الرهيبة. وهي حقيقة. ولو لم ندرك نحن كيفيتها. وهي كائنة في صورة ما من الصور، ولا مفر من وجودها، وقد أنبأنا الله بها لنحسب حسابها. لا لننفق الجهد عبثا في معرفة كيفيتها!

والذين انتفعوا بهذا القرآن، وبتوجيهات رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الخاصة بحقائق القرآن، كان هذا سبيلهم: أن يشعروا، وأن يعلموا وفق ما شعروا..

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي عن أبيه عن جده علقمة، عن بلال بن الحارث المزني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه".. قال: فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث. [ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو به وقال الترمذي: حسن صحيح].

وحكي عن الإمام أحمد أنه كان في سكرات الموت يئن. فسمع أن الأنين يكتب. فسكت حتى فاضت روحه رضوان الله عليه.

وهكذا كان أولئك الرجال يتلقون هذه الحقيقة فيعيشون بها في يقين.