تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

البغي : الظلم .

ينتصرون : ينتقمون لأنفسهم .

ومن صفات المؤمنين الصادقين أيضاً :

{ والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ }

الذين إذا بغى عليهم أحد ينتصرون لأنفسهم ممن ظلمهم .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } ، لأنه لما قاتلته الفئة الباغية قاتلها انتصارا للحق ، وانظر كيف سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المقاتلين لعلي الفئة الباغية حسبما ورد في الحديث الصحيح أنه قال لعمار بن ياسر : " تقتلك الفئة الباغية " فذلك هو البغي الذي أصابه وقوله : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله } إشارة إلى فعل الحسن بن علي حين بايع معاوية ، وأسقط حق نفسه ليصلح أحوال المسلمين ، ويحقن دماءهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحسن " إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .

وقوله : { ولمن انتصر بعد ظلمه } ، فأولئك ما عليهم من سبيل إشارة إلى انتصار الحسين بعد موت الحسن ، وطلبه للخلافة وانتصاره من بني أمية .

وقوله : { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس } إشارة إلى بني أمية ، فإنهم استطالوا على الناس كما جاء في الحديث عنهم ، " أنهم جعلوا عباد الله حولا ومال الله دولا ويكفيك من ظلمهم أنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب على منابرهم " ، وقوله : { ولمن صبر وغفر } الآية : إشارة إلى صبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على ما نالهم من الضر والذل ، طول مدة بني أمية { وجزاء سيئة سيئة مثلها } سمى العقوبة باسم الذنب وجعلها مثلها تحرزا من الزيادة عليها .

{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله } هذا يدل على أن العفو عن الظلمة أفضل من الانتصار ، لأنه ضمن الأجر في العفو ، وذكر الانتصار بلفظ الإباحة في قوله : { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } وقيل : إن الانتصار أفضل ، والأول أصح فإن قيل : كيف ذكر الانتصار في صفات المدح في قوله : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } والمباح لا مدح فيه ولا ذم ، فالجواب : من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن المباح قد يمدح لأنه قيام بحق لا بباطل .

والثاني : أن مدح الانتصار لكونه مكان بعد الظلم تحرزا ممن بدأ بالظلم فكأن المدح إنما هو بترك الابتداء بالظلم .

والثالث : إن كانت الإشارة بذلك إلى علي بن أبي طالب حسبما ذكرنا فانتصاره محمود ، لأن قتال أهل البغي واجب لقوله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي } [ الحجرات : 9 ] .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

ولما كان في العقوبة مصلحة ومفسدة فندب سبحانه إلى المغفرة تقديماً لدرء المفسدة لأن الإنسان لعدم علمه بالقلوب لا يصح له بوجه أن يعاقب بمجرد الغضب لأنه قد يخطئ فيعاقب من أغضبه ، وهو شريف الذات كريم الطبع على الهمة أبي النفس ، ما وقع منه الذنب الذي أغضب إلا خطأ معفواً عنه أو كذب عليه فيه فيربي في نفسه أخته تفسد ذات البين فيجر إلى خراب كبير ، وكانت إدامة الغفر جالبة للفساد مجرئة على العناد ، وكان البغي هو التمادي في السوء محققاً لقصد الذنب مجوزاً للإقدام على الانتقام ، وكان الانتصار من الفجار ربما أحوج مع قوة الجنان إلى إنفاق المال ، عقب الإنفاق بمدح الانتصار بقوله : { والذين } وذكر أداة التحقق إشارة إلى أن شرطها لا بد من وقوعه بالفعل أو بالقوة فقال ناصباً بفعل الانتصار مقدماً لما من شأن النفس الاهتمام بدفعه لعدم صبرها عليه : { إذا أصابهم } أي وقع بهم وأثر فيهم { البغي } وهو التمادي على الرمي بالشر { هم } أي بأنفسهم خاصة لما لهم من قوة الجنان والأركان المعلمة بأن ما تقدم من غفرانهم ما كان إلا لعلو شأنهم لا لهوانهم { ينتصرون * } أي يوقعون بالعلاج بما أعطاهم الله من سعة العقل وشدة البطش وقوة القلب النصر لأنفسهم في محله على ما ينبغي من زجر الباغي عن معاودتهم وعن الاجتراء على غيرهم مكررين لذلك كلما كرر لهم فيكون ذلك من إصلاح ذات البين ، ليسوا بعاجزين ولا في أمر دينهم متوانين ، والتعبير في هذه الأفعال بالإسناد إلى الجمع إشارة إلى أنه لا يكون تمام التمكن الرادع إلا مع الاجتماع ، ومن كان فيها مفرداً كان همه طويلاً وبثه جليلاً ، قال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق .