محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } أي بالعدالة . احترازا عن الذلة والانظلام ، لكونهم في مقام الاستقامة ، قائمين بالحق والعدل الذي ظلّه في نفوسهم . قاله القاشانيّ . وقال ابن جرير :{[6473]} اختلف أهل التأويل في الباغي الذي حمد تعالى ذكره ، المنتصر منه بعد بغيه عليه . فقال بعضهم : هو المشرك إذ بغى على المسلم . وقال آخرون : بل هو كل باغ بغى فحمد المنتصر منه . وإليه ذهب السّدّيّ حيث قال : ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا .

قال ابن جرير : وهذا القول الثاني أولى في ذلك بالصواب . لأن الله لم يخصص من ذلك معنى دون معنى . بل حمد كل منتصر بحق ممن بغى عليه . فإن قال قائل : وما في الانتصارن المدح ؟ قيل : إن في إقامة الظالم على سبيل الحق ، وعقوبته بما هو له أهل ، تقويما له . وفي ذلك أعظم المدح . انتهى . وكذا قال الزمخشري . فإن قلت : أهم محمودون على الانتصار ؟ قلت : نعم . لأن من أخذ حقه غير متعد حد الله وما أمر به فلم يسرف في القتل : إن كان وليّ دم ، أو ردّ على سفيه محاماة على عرضه وردعا له ، فهو مطيع . وكل مطيع محمود . قال النخعيّ : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفسّاق .


[6473]:انظر الصفحة رقم 27 من الجزء الخامس والعشرين(طبعة الحلبي الثانية(.