البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

و { هم ينتصرون } : صلة للذين ، وإذا معمولة لينتصرون ، ولا يجوز أن يكون { هم ينتصرون } جواباً لإذا ، والجملة الشرطية وجوابها صلة لما ذكرناه من لزوم الفاء ، ويجوز هنا أن يكون هم فاعلاً بفعل محذوف على ذلك القول الذي قيل في { هم يغفرون } .

وقال الحوفي : وإن شئت جعلت هم توكيداً للهاء والميم ، يعني في أصابهم ، وهو ضمير رفع ، وفي هذا نظر ، وفيه الفصل بين المؤكد والتوكيد بالفاعل ، وهو فعل الظاهر أنه لا يمتنع ، والانتصار : أن يقتصر على ما حده الله له ولا يتعدى .

وقال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم ، فتجترئ عليهم الفساق ، ومن انتصر غير متعد فهو مطيع محمود .

وقال مقاتل ، وهشام عن عروة : الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص .

وقال ابن عباس : تعدى المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ، وأخرجوهم من مكة ، فأذن الله لهم بالخروج في الأرض ، ونصرهم على من بغى عليهم .

وقال الكيا الطبري : ظاهره أن الانتصار في هذا الموضع أفضل ، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله ولرسوله وإقامة الصلاة ؟ فهذا على ما ذكره النخعي ، وهذا فيمن تعدى وأصر ، والمأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مقلعاً .

وقد قال عقيب هذه الآية { ولمن انتصر بعد ظلمه } الآية ، فيقتضي إباحة الانتصار .

وقد عقبه بقوله : { ولمن صبر وغفر } ، وهذا محمول على القرآن عند غير المصر .

فأما المصر على البغي ، فالأفضل الانتصار منه بدليل الآية قبلها .

وقال ابن بحر : المعنى تناصروا عليه فأزالوه عنهم .

وقال أبو بكر بن العربي نحواً من قول الكيا .

قال الجمهور : إذا بغى مؤمن على مؤمن ، فلا يجوز له أن ينتصر منه بنفسه ، بل يرفع ذلك إلى الإمام أو نائبه .

وقالت فرقة : له ذلك .