فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡيُ هُمۡ يَنتَصِرُونَ} (39)

ثم ذكر سبحانه الطائفة التي تنتصر ممن ظلمها فقال : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ } أي بغي من بغى عليهم بغير الحق { هُمْ يَنْتَصِرُونَ } أي ينتقمون من ظالمهم من غير تعد ، ذكر سبحانه هؤلاء المنتصرين في معرض المدح كما ذكر المغفرة عند الغضب في معرض المدح ، لأن التذلل لمن بغى ليس من صفات من جعل الله له العزة ، حيث قال { ولله العزة والمؤمنين } فالانتصار عند البغي فضيلة ، كما أن العفو عند الغضب فضيلة .

قال ابن العربي ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر ، في معرض المدح ، فاحتمل أن يكون أحدهما رافعا للآخر ، أو يكون ذلك راجعا إلى حالتين إحداهما أن يكون الباغي معلنا بالفجور مؤذيا للصغير والكبير ، فيكون الانتقام منه أفضل ، الثانية أن يقع ذلك ممن لم يعرف بالزلة ويسأل المغفرة فالعفو ههنا أفضل ، وهكذا ذكر الكيا الطبري في أحكامه .

وقال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم السفهاء والفساق ، لكن هذا الانتصار مشروط بالاقتصار على ما جعله الله له وعدم مجاوزته كما بينه سبحانه عقب هذا بقوله : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( 40 ) } .