تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

يعوذون : يستجيرون ويلتجئون . كان الرجل في الجاهلية إذا أمسى في مكان خالٍ يقول : أعوذُ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ، ولا يعوذ بالله .

رهقا : إثما ، وحَمْلَ المرء على ما لا يطيق .

وكذلك أخبر قومك يا محمد ، أن بعض الجن يقولون إن رجالاً من الإنس كانوا يستعيذون برجال من الجن ولا يستعيذون بالله فزادهم الجن ضلالا وطغيانا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

{ 6 } { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }

أي : كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع{[1249]} ، فزاد الإنس الجن رهقا أي : طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم ، ويستعيذون بهم ، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن ضمير الواو{[1250]}  أي : زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم ، فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف ، قال : " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه " .


[1249]:- في ب: كان الإنس يعوذون بالجن عند المخاوف والأفزاع ويعبدونهم.
[1250]:- في ب: ويحتمل أن الضمير وهي الواو يرجع إلى الجن.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

وقيل : انقطع الإخبار عن الجن ها هنا فقال الله تعالى : " وأنه كان رجال من الأنس " فمن فتح وجعله من قول الجن ردها إلى قوله : " أنه استمع " [ الجن : 1 ] ، ومن كسر جعلها مبتدأ من قول الله تعالى . والمراد به ما كانوا يفعلونه من قول الرجل إذا نزل بواد : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه ، فيبيت في جواره حتى يصبح ، قال الحسن وابن زيد وغيرهما . قال مقاتل : كان أول من تعوذ بالجن قوم من أهل اليمن ، ثم من بني حنيفة ، ثم فشا ذلك في العرب ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم . وقال كردم بن أبي السائب : خرجت مع أبي إلى المدينة أول ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملا من الغنم ، فقال الراعي : يا عامر الوادي ، [ أنا ]{[15446]} جارك . فنادى مناد يا سرحان أرسله ، فأتى الحمل يشتد{[15447]} . وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة : " وأنه كان رجال من الإنس . يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا " أي زاد الجن الإنس " رهقا " أي خطيئة وإثما ؛ قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة . والرهق : الإثم في كلام العرب وغشيان المحارم ؛ ورجل رهق إذا كان كذلك ؛ ومنه قوله تعالى : " وترهقهم ذلة " [ يونس : 27 ] وقال الأعشى :

لا شيء ينفعني من دون رؤيتها*** هل يَشْتَفِي وَامِقٌ{[15448]} ما لم يُصِبْ رَهَقًا

يعني إثما . وأضيفت الزيادة إلى الجن إذ كانوا سببا لها . وقال مجاهد أيضا : " فزادوهم " أي إن الإنس زادوا الجن طغيانا بهذا التعوذ ، حتى قالت الجن : سدنا الإنس والجن . وقال قتادة أيضا وأبو العالية والربيع وابن زيد : ازداد الإنس بهذا فرقا وخوفا من الجن . وقال سعيد بن جبير : كفرا . ولا خفاء أن الاستعاذة بالجن دون الاستعاذة بالله كفر وشرك . وقيل : لا يطلق لفظ الرجال على الجن ، فالمعنى : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون من شر الجن برجال من الإنس ، وكان الرجل من الإنس يقول مثلا : أعوذ بحذيفة بن بدر من جن هذا الوادي . قال القشيري : وفي هذا تحكم إذ لا يبعد إطلاق لفظ الرجال على الجن .


[15446]:الزيادة من الدر المنثور للسيوطي.
[15447]:يشتد: يعدو.
[15448]:في أ، ح وفتح القدير الشوكاني: "عاشق".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

ولما علم من قولهم أن مستند الضلال ظنون وشبه متى حكت على محك النظر بان فسادها ، وأظهر{[69009]} زيفها نقادها ، أتبعه شبهة أخرى زادت الفريقين ضلالاً بعضهم ببعض للتقيد بالمحسوسات ، والوقوف مع الخيالات الموهومات ، فقال حاكياً عنهم تنبيهاً على عدم الاغترار بالمدح والإطراء الموجبين للغلط في النفس وعلى أنه يجب{[69010]} التثبت حتى لا يقع الغلط في الأسباب المسخرة فيظن أنها مؤثرة فيتجاوز بها الحد عن رتبة الممكنات إلى رتبة الواجب ، مؤكدين لأنه لا يكاد يصدق أن الجن يخاطبهم الإنس فيكارمونهم : { وإنه } أي الشأن { كان رجال } أي ذوو قوة وبأس { من الإنس } أي النوع الظاهر في عالم الجنس{[69011]} { يعوذون } أي يلجؤون ويعتصمون - خوفاً على أنفسهم وما معهم - إذا نزلوا وادياً { برجال من الجن } أي القبيل المستتر عن الأبصار فإنه كان القوم منهم إذا نزلوا وادياً أو غيره من القفر تعبث بهم{[69012]} الجن في بعض الأحيان لأنه لا مانع لهم{[69013]} منهم من ذكر الله تعالى ولا دين صحيح ، ولا كتاب من الله صريح ، فحملهم ذلك على أن يستجيروا بعظمائهم{[69014]} فكان الرجل يقول عند خوفه : إني أعوذ بعظيم هذا الوادي من{[69015]} شر سفهاء قومه أو{[69016]} نحو هذا فلا يرى إلا خيراً{[69017]} ، وربما هدوه إلى الطريق وردوا عليه ضالته ، فكان{[69018]} ذلك فتنة للإنس باعتقادهم في الجن غير ما هم عليه ، فتبعوهم في الضلال ، وفتنة الجن بأن يغتروا بأنفسهم ويقولوا سدنا : الجن والإنس ، فيضلوا ويضلوا ، ولذلك سبب عنه قوله : { فزادوهم } أي الإنس{[69019]} الجن باستعاذتهم هذه المرتب عليها إعاذتهم ، والجن{[69020]} الإنس بترئيس الإنس لهم وخوفهم منهم { رهقاً * } أي ضيقاً وشدة وغشياناً لما هم فيه من أحوال الضلال التي يلزم منها الضيق والشدة ، وأصل الرهق غشيان بقوة وشدة وقهر ، وقال البغوي{[69021]} : والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم .

كما يتفق لمن يسلك من أهل التصوف على غير أصل فيرى في أثناء السير أنواراً وأشياء تعجبه شيطانية فيظنها رحمانية ، فيقف عندها ويأنس بها لفساد في أصل جبلته{[69022]} نشأ عنه{[69023]} سوء مقصده ، فربما كان ذلك سبباً لكفره فيزداد هو وأمثاله من الإنس {[69024]}ضلالاً ويزداد{[69025]} من أضله من الجن ضلالاً وإضلالاً{[69026]} وعتواً ، ويزداد الفريقان{[69027]} بعداً عن اللجأ إلى الله وحده ، ولقد أغنانا{[69028]} الله سبحانه وتعالى بالقرآن والذكر المأخوذ عن خير خلقه بشرطه في أوقاته عن كل شيء كما أخبر{[69029]} صلى الله عليه وسلم أن من قال عند إتيانه الخلاء " بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " ستر عن الجن ، وأن من قال إذا أتى امرأته " اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني " فأتاه ولد لم يقدر الشيطان أن يضره ، ومن أذن أمن تغول الغيلان ، وروى الترمذي{[69030]} وأحمد{[69031]} - قال المنذري : ورواته رواة{[69032]} الصحيح - عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يأخذ مضجعه فيقرأ سورة من كتاب الله تعالى إلا وكل الله تعالى به ملكاً فلا يقربه شيء يؤذيه حتى يهب متى هب " وللطبراني في الكبير - قال المنذري : ورواته رواة الصحيح إلا المسيب بن واضح ، قال الهيثمي{[69033]} : وهو ضعيف وقد وثق - عن عبد الله بن بسر{[69034]} رضي الله عنه قال : " خرجت من حمص فآواني الليل إلى البقيعة{[69035]} فحضرني من أهل الأرض فقرأت هذه الآية من الأعراف

إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض{[69036]} في ستة أيام ثم استوى على العرش }{[69037]}[ الأعراف : 54 ] إلى آخر الآية ، فقال بعضهم لبعض{[69038]} : احرسوه الآن حتى يصبح ، فلما أصبحت ركبت دابتي " والأحاديث في هذا كثيرة في آية{[69039]} الكرسي وغيرها ، وكذا حكايات من اعترضه بعض الجن فلما قرأ ذهب عنه .


[69009]:- من ظ وم، وفي الأصل: ظهر.
[69010]:- من ظ وم، والأصل: يجيب.
[69011]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحس.
[69012]:- من ظ وم، وفي الأصل: منهم.
[69013]:- من ظ وم، وفي الأصل: له.
[69014]:- من ظ، وفي الأصل وم: بعظمائهم.
[69015]:- زيد في الأصل: عظيم هذا الوادي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69016]:- من ظ وم، وفي الأصل "و".
[69017]:- زيد في الأصل: دائما، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69018]:- من ظ وم، وفي الأصل: وكان.
[69019]:- زيدت الواو في ظ وم.
[69020]:- زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[69021]:- في المعالم 7/ 133.
[69022]:- من م، وفي الأصل وظ: جبلتها.
[69023]:- من ظ وم، وفي الأصل: عنها.
[69024]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[69025]:- تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[69026]:- زيد من ظ
[69027]:- من وم، وفي الأصل: الفريقين.
[69028]:- من ظ وم، وفي الأصل: أعاذنا.
[69029]:- زيد في الأصل: الله تعالى- مع يسير من البياض، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[69030]:- راجع الجامع 2/ 177.
[69031]:- راجع المسند 4/ 125.
[69032]:- زيد من ظ وم.
[69033]:- في مجمع الزوائد 7/ 24.
[69034]:- من م والمجمع، وفي الأصل: بشير، وفي ظ: بشر.
[69035]:- من ظ وم والمجمع، وفي الأصل: النفعة.
[69036]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[69037]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[69038]:- زيد من المجمع.
[69039]:- من ظ وم، وفي الأصل: آخر سورة.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا} (6)

قوله : { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } يعوذون أي يلجأون ، من العوذ والمعاذ والتعوّذ وهو الالتجاء {[4651]} فقد كان الرجل من الإنس إذا أمسى بقفر قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه { فزادوهم رهقا } والرهق ، معناه ، السفه والخفّة وركوب الشر وغشيان المحارم . ومنه الإرهاق وهو حمل الإنسان على ما لا يطيقه {[4652]} والمعنى : أن الإنس زادوا الجن باستعاذتهم بهم طغيانا وكبرا وسفها فازدادت الجن على الإنس بذلك جراءة . وقيل : إن الجن زادوا الإنس غيّا وإثما ، إذ أضلوهم حتى استعاذوا بهم .


[4651]:القاموس المحيط ص 428.
[4652]:القاموس المحيط ص 1148.