الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

يعني غزوة الخندق والأحزاب وبني قريظة{[12722]} ، وكانت حالا شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة ، وتضمنت أحكاما كثيرة وآيات باهرات عزيزة ، ونحن نذكر من ذلك بعون الله تعالى ما يكفي في عشر مسائل :

الأولى : اختلف في أي سنة كانت ، فقال ابن إسحاق : كانت في شوال من السنة الخامسة . وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك رحمه الله : كانت وقعة الخندق سنة أربع ، وهي وبنو قريظة في يوم واحد ، وبين بني قريظة والنضير أربع سنين . قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال من المدينة ، وذلك قوله تعالى : " إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر " [ الأحزاب : 10 ] . قال : ذلك يوم الخندق ، جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والنجدية من ها هنا . يريد مالك : إن الذين جاؤوا من فوقهم بنو قريظة ، ومن أسفل منهم قريش وغطفان . وكان سببها : أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحيي بن أخطب النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل ، وهم كلهم يهود ، هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا ، خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك ، فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ، ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم ، فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة ، والحارث بن عوف المري على بني مرة ، ومسعود بن رُخيلة على أشجع . فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم شاور أصحابه ، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضي رأيه . وقال المهاجرون يومئذ : سلمان منا . وقال الأنصار : سلمان منا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سلمان منا أهل البيت ) . وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر . فقال : يا رسول الله ، إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا ، فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين ، ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذاً{[12723]} فنزلت فيهم آيات من القرآن ذكرها ابن إسحاق وغيره . وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره ، حتى كمل الخندق . وكانت فيه آيات بينات وعلامات للنبوات .

قلت : ففي هذا الذي ذكرناه من هذا الخبر من الفقه وهي :

الثانية : مشاورة السلطان أصحابه وخاصته في أمر القتال ، وقد مضى ذلك في " آل عمران{[12724]} ، والنمل " . وفيه التحصن من العدو بما أمكن من الأسباب واستعمالها ، وقد مضى ذلك في غير موضع . وفيه أن حفر الخندق يكون مقسوما على الناس ، فمن فرغ منهم عاون من لم يفرغ ، فالمسلمون يد على من سواهم ، وفي البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق وارى عني الغبار جلدة بطنه ، وكان كثير الشعر ، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ويقول :

اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينةً علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا

وأما ما كان فيه من الآيات وهي :

الثالثة : فروى النسائي عن أبي سكينة رجل من المحررين{[12725]} عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال : " وتمت كلمة ربك صدقا " {[12726]} [ الأنعام : 115 ] الآية ؛ فندر{[12727]} ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر ، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة ، ثم ضرب الثانية وقال : " وتمت " [ الأنعام : 115 ] الآية ، فندر الثلث الآخر ، فبرقت برقة فرآها سلمان ، ثم ضرب الثالثة وقال : " وتمت كلمة ربك صدقا " الآية ؛ فندر الثلث الباقي ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس . قال سلمان : يا رسول الله ، رأيتك حين ضربت ! ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت ذلك يا سلمان ) ؟ فقال : أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله ! قال : ( فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني - قال له من حضره من أصحابه : يا رسول الله ، ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم{[12728]} ويخرب بأيدينا بلادهم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعيني - قالوا : يا رسول الله ، ادع الله تعالى أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ضرب الضربة الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم ) . وخرجه أيضا عن البراء قال : لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرض لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول ، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال : ( باسم الله ) فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر إلى قصورها الحمراء الآن من مكاني هذا ) قال : ثم ضرب أخرى وقال : ( باسم الله ) فكسر ثلثا آخر ثم قال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ) . ثم ضرب الثالثة وقال : ( باسم الله ) فقطع الحجر وقال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء ) . صححه أبو محمد عبد الحق .

الرابعة : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع{[12729]} في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم - في قول ابن شهاب - وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم ، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهده ، فلما سمع كعب بن أسد حيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له ، فقال له : افتح لي يا أخي . فقال له : لا أفتح لك ، فإنك رجل مشؤوم ، تدعوني إلى خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ، فلست بناقض ما بيني وبينه . فقال حيي : افتح لي حتى أكلمك وأنصرف عنك . فقال : لا أفعل ؛ فقال : إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك ، فغضب كعب وفتح له . فقال : يا كعب ! إنما جئتك بعز الدهر ، جئتك بقريش وسادتها ، وغطفان وقادتها ، قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه ، فقال له كعب : جئتني والله بذل الدهر وبجهام{[12730]} لا غيث فيه ! ويحك يا حيي ؟ دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه ، فلم يزل حيي بكعب يعده ويغره حتى رجع إليه وعاقده على خذلان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يسير معهم ، وقال له حيي بن أخطب : إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من اليهود . فلما انتهى خبر كعب وحيي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وسيد الأوس سعد بن معاذ ، وبعث معهما عبدالله بن رواحة وخوات بن جبير ، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا ، ولا تفتوا في أعضاد الناس . وإن كان كذبا فاجهروا به للناس ) فانطلقوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما قيل لهم عنهم ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لا عهد له عندنا ، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، وكانت فيه حدة فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم ، فالذي بيننا وبينهم أكثر من ذلك ، ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلمين فقالا : عضل والقارة - يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه - فقال النبي صلى الله عليه وسلم . ( أبشروا يا معشر المسلمين ) وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف ، وأتى المسلمين عدوهم من فوقهم ، يعني من فوق الوادي من قبل المشرق ، ومن أسفل منهم من بطن الوادي من قبل المغرب ، حتى ظنوا بالله الظنونا ، وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون ، فمنهم من قال : إن بيوتنا عورة ، فلننصرف إليها ، فإنا نخاف عليها .

وممن قال ذلك : أوس بن قيظي . ومنهم من قال : يعدنا محمد أن يفتح كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط ! وممن قال : معتب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف . فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشتد على المسلمين البلاء بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري ، وإلى الحارث بن عوف المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلان قريشا ويرجعا بقومهما عنهم . وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدا ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا : يا رسول الله ، هذا أمر تحبه فنصنعه لك ، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع ، أو أمر تصنعه لنا ؟ قال : ( بل أمر أصنعه لكم ، والله ما أصنعه إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ) فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، والله لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا شراء أو قرى ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ! ! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال : ( أنتم وذاك ) . وقال لعيينة والحارث : ( انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف ) . وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها .

الخامسة : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على حالهم ، والمشركون يحاصرونهم ولا قتال بينهم ، إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري من بني عامر بن لؤي ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطاب الفهري ، وكانوا فرسان قريش وشجعانهم ، أقبلوا حتى وقفوا على الخندق ، فلما رأوه قالوا : إن هذه لمكيدة ، ما كانت العرب تكيدها . ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق ، فضربوا خيلهم فاقتحمت بهم ، وجاوزوا الخندق وصاروا بين الخندق وبين سلع ، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها ، وأقبلت الفرسان نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ود أثبتته الجراح يوم بدر فلم يشهد أحدا ، وأراد يوم الخندق أن يرى مكانه ، فلما وقف هو وخيله . نادى : من يبارز ؟ فبرز له علي بن أبي طالب وقال له : يا عمرو ، إنك عاهدت الله فيما بلغنا أنك لا تدعى إلى إحدى خلتين إلا أخذت إحداهما ؟ قال نعم . قال : فإني أدعوك إلى الله والإسلام . قال : لا حاجة لي بذلك . قال : فأدعوك إلى البراز . قال : يا ابن أخي ، والله ما أحب أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك . فقال له علي : أنا والله أحب أن أقتلك . فحمي عمرو بن عبد ود ونزل عن فرسه ، فعقره وصار نحو علي ، فتنازلا وتجاولا وثار النقع بينهما حتى حال دونهما ، فما انجلى النقع حتى رئي علي على صدر عمرو يقطع رأسه ، فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علي اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين . وقال علي رضي الله عنه في ذلك :

نصرَ الحجارةَ من سفاهةِ رأيه *** ونصرتُ دين محمد بضِرَابِ{[12731]}

نازلته{[12732]} فتركته متجَدِّلاً *** كالجِذْعِ بين دَكَادكٍ ورَوَابِي{[12733]}

وعففت عن أثواب ولو أنني *** كنت المقطَّرَ بَزَّنِي أثوابِي{[12734]}

لا تحسبن الله خاذلَ دينه *** ونبيِّه يا معشر الأحزاب

قال ابن هشام : أكثر أهل العلم بالسير{[12735]} يشك فيها لعلي . قال ابن هشام : وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو ، فقال حسان بن ثابت في ذلك :

فرَّ وألقى لنا رمحه *** لعلك عِكْرِمَ لم تفعلِ

ووليت تعدو كعدو الظَّلِيمِ *** ما إن تجور عن المَعْدَلِ

ولم تُلق ظهرك مستأنسا *** كأن قفاك قَفَا فُرْعُلِ

قال ابن هشام : فرعل صغير الضباع . وكانت عائشة رضي الله عنها في حصن بني حارثة ، وأم سعد بن معاذ معها ، وعلى سعد درع مقلصة{[12736]} قد خرجت منها ذراعه ، وفي يده حربته وهو يقول :

لبِّثْ قليلا يلحق الهَيْجَا جَمَلْ *** لا بأس بالموت إذا كان الأجلْ

ورمي يومئذ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل{[12737]} . واختلف فيمن رماه ، فقيل : رماه حبان بن قيس ابن العرقة{[12738]} ، أحد بني عامر بن لؤي ، فلما أصابه قال له : خذها وأنا ابن العرقة . فقال له سعد : عرق الله وجهك في النار . وقيل : إن الذي رماه خفاجة بن عاصم بن حبان{[12739]} . وقيل : بل الذي رماه أبو أسامة الجشمي ، حليف بني مخزوم . ولحسان مع صفية بنت عبد المطلب خبر طريف يومئذ ، ذكره ابن إسحاق وغيره . قالت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها : كنا يوم الأحزاب في حصن حسان بن ثابت ، وحسان معنا في النساء والصبيان ، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في نحر العدو لا يستطيعون الانصراف إلينا ، فإذا يهودي يدور ، فقلت لحسان : انزل إليه فاقتله . فقال : ما أنا بصاحب هذا يا ابنة عبد المطلب ! فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فقتلته ، فقلت : يا حسان ، انزل فاسلبه ، فلم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل . فقال : ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب ! قال : فنزلت فسلبته . قال أبو عمر بن عبد البر : وقد أنكر هذا عن حسان جماعة من أهل السير وقالوا : لو كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك الذين كان يهاجيهم في الجاهلية والإسلام ، ولَهُجِيَ بذلك ابنه عبد الرحمن ، فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب ، مثل النجاشي وغيره .

السادسة : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال : يا رسول الله ، إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي ، فمرني بما شئت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا من بقائك{[12740]} معنا فاخرج فإن الحرب خدعة ) . فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان ينادمهم في الجاهلية - فقال : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم . قالوا : قل فلست عندنا بمتهم . فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا نهزة{[12741]} أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، ولا طاقة لكم به ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا . ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم : قد عرفتم ودي لكم معشر قريش ، وفراقي محمدا ، وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم ، فاكتموا علي ، قالوا نفعل . قال : تعلمون أن معشر يهود ، قد ندموا على ما كان من خذلانهم محمدا ، وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان [ رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب ]{[12742]} أعناقهم ، ثم نكون معك على ما بقي منهم حتى نستأصلهم . ثم أتى غطفان فقال مثل ذلك . فلما كان ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله والمؤمنين ، أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نناجز محمدا . فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وقد علمتم ما نال منا من تعدى في السبت ، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا ، فلما رجع الرسول بذلك قالوا : صدقنا والله نعيم بن مسعود ، فردوا إليهم الرسل وقالوا : والله لا نعطيكم رهنا أبدا فاخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم . فقال بنو قريظة : صدق والله نعيم بن مسعود . وخذل الله بينهم ، واختلفت كلمتهم ، وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد ، فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم .

السابعة : فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم ، بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم ، فأتاهم واستتر في غمارهم{[12743]} ، وسمع أبا سفيان يقول : يا معشر قريش ، ليتعرف كل امرئ جليسه . قال حذيفة : فأخذت بيد جليسي وقلت : ومن أنت ؟ فقال أنا فلان . ثم قال أبو سفيان : ويلكم يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، ولقد هلك الكراع والخف{[12744]} وأخلفتنا بنو قريظة ، ولقينا من هذه الريح ما ترون ، ما يستمسك لنا بناء ، ولا تثبت لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، فارتحلوا فإني مرتحل ، ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم . قال حذيفة : ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لي إذ بعثني ، قال لي : ( مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئا ) - لقتلته بسهم ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم ، فوجدته قائما يصلي في مرط لبعض نسائه مراجل - قال ابن هشام : المراجل ضرب من وشي اليمن - فأخبرته فحمد الله .

قلت : وخبر حذيفة هذا مذكور في صحيح مسلم ، وفيه آيات عظيمة ، رواه جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت . فقال حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك ! لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) ؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، ثم قال : ( ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) ؟ فسكتنا فلم يجبه أحد . فقال : ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم . قال : ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم{[12745]} علي ) قال : فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام{[12746]} حتى أتيتهم ، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ولا تذعرهم علي ) ولو رميته لأصبته : فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام ، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت ، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها ، فلم أزل نائما حتى أصبحت ، فلما أصبحت قال : ( قم يا نومان ) . ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب ، رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي ، على بغلة عليها قطيفة ديباج فقال له : يا محمد ، إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها . إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة ، وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم حصونهم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي :

الثامنة : مناديا فنادى : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ، فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة . وقال آخرون : لا نصلّي العصر إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت . قال : فما عنف واحدا من الفريقين . وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين . وقد مضى بيانه في " الأنبياء " {[12747]} . وكان سعد بن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه فقال : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه . اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة . وروى ابن وهب عن مالك قال : بلغني أن سعد بن معاذ مر بعائشة رضي الله عنها ونساء معها في الأطم{[12748]} ( فارع ){[12749]} ، وعليه درع مقلصة{[12750]} مشمر الكمين ، وبه أثر صفرة وهو يرتجز :

لبِّثْ قليلا يدرك الهَيْجَا جمل *** لا بأس بالموت إذا حان الأجل

فقالت عائشة رضي الله عنها : لست أخاف أن يصاب سعد اليوم إلا في أطرافه ، فأصيب في أكحله . وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رجلا أجمل من سعد بن معاذ حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأصيب في أكحله ثم قال : اللهم إن كان حرب قريظة لم يبق منه شيء فاقبضني إليك ، وإن كان قد بقيت منه بقية فأبقني حتى أجاهد مع رسولك أعداءه ، فلما حكم في بني قريظة توفي ، ففرح الناس وقالوا : نرجو أن يكون قد استجيبت دعوته .

التاسعة : ولما خرج المسلمون إلى بني قريظة أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ونهض علي وطائفة معه حتى أتوا بني قريظة ونازلوهم ، فسمعوا سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانصرف علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله ، لا تبلغ إليهم ، وعرض له . فقال له : ( أظنك سمعت منهم شتمي . لو رأوني لكفوا عن ذلك ) ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا . فقال لهم : ( نقضتم العهد يا إخوة القرود أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ) فقالوا : ما كنت جاهلا يا محمد فلا تجهل علينا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة . وعرض عليهم سيدهم كعب ثلاث خصال ليختاروا أيها شاؤوا : إما أن يسلموا ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا . قال : وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم ، فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه مكتوبا في كتابكم . وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يتقدموا ، فيقاتلون حتى يموتوا من آخرهم . وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا . فقالوا له : أما الإسلام فلا نسلم ولا نخالف حكم التوراة ، وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم ، ونحن لا نتعدى في السبت . ثم بعثوا إلى أبي لبابة ، وكانوا حلفاء بني عمرو بن عوف وسائر الأوس ، فأتاهم فجمعوا إليه أبناءهم ونساءهم ورجالهم وقالوا له : يا أبا لبابة ، أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ فقال نعم ، - وأشار بيده إلى حلقه - إنه الذبح إن فعلتم . ثم ندم أبو لبابة في الحين ، وعلم أنه خان الله ورسوله ، وأنه أمر لا يستره الله عليه عن نبيه صلى الله عليه وسلم . فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربط نفسه في سارية وأقسم ألا يبرح من مكانه حتى يتوب الله عليه فكانت امرأته تحله لوقت كل صلاة . قال ابن عيينة وغيره : فيه نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم " {[12751]} [ الأنفال : 27 ] الآية . وأقسم ألا يدخل أرض بني قريظة أبدا مكانا أصاب فيه الذنب . فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من فعل أبي لبابة قال : ( أما إنه لو أتاني لاستغفرت له ، وأما إذ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى يطلقه الله تعالى ) فأنزل الله تعالى في أمر أبي لبابة : " وآخرون اعترفوا بذنوبهم " {[12752]} [ التوبة : 102 ] الآية . فلما نزل فيه القرآن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقه ، فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتواثب الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله ، وقد علمت أنهم حلفاؤنا ، وقد أسعفت{[12753]} عبد الله بن أبي ابن سلول في بني النضير حلفاء الخزرج ، فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا ، فهم موالينا . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم - قالوا بلى . قال - : فذلك إلى سعد بن معاذ ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ، ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق . فحكم فيهم بأن تقتل المقاتلة ، وتسبى الذرية والنساء ، وتقسم أموالهم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة ){[12754]} . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا إلى موضع بسوق المدينة اليوم - زمن ابن إسحاق - فخندق بها خنادق ، ثم أمر عليه السلام فضربت أعناقهم في تلك الخنادق ، وقتل يومئذ حيي بن أخطب وكعب بن أسد ، وكانا رأس القوم ، وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة . وكان على حيي حلة فقاحية{[12755]} قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة ، أنملة أنملة لئلا يسلبها . فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي به ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل قال : أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ،

*ولكنه من يخذل الله يخذل*

ثم قال : يا أيها الناس ، لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة{[12756]} كتبت على بني إسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه . وقتل من نسائهم امرأة ، وهي بنانة امرأة الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد ابن سويد فقتلته . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم ينبت . وكان عطية القرظي ممن لم ينبت ، فاستحياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مذكور في الصحابة . ووهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس ولد الزبير بن باطا فاستحياهم . منهم عبد الرحمن بن الزبير أسلم وله صحبة . ووهب أيضا عليه السلام رفاعة بن سموأل القرظي لأم المنذر سلمى بنت قيس ، أخت سليط بن قيس من بني النجار ، وكانت قد صلت إلى القبلتين ، فأسلم رفاعة وله صحبة ورواية . وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قال : أتى ثابت بن قيس بن شماس إلى ابن باطا - وكانت له عنده يد - وقال : قد استوهبتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدك التي لك عندي ، قال : ذلك يفعل الكريم بالكريم ، ثم قال : وكيف يعيش رجل لا ولد له ولا أهل ؟ قال : فأتى ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأعطاه أهله وولده ، فأتى فأعلمه فقال : كيف يعيش رجل لا مال له ؟ فأتى ثابت النبي صلى الله عليه وسلم فطلبه فأعطاه ماله ، فرجع إليه فأخبره ، قال : ما فعل ابن أبي الحقيق الذي كأن وجهه مرآة صينية ؟ قال : قتل . قال : فما فعل المجلسان ، يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة ؟ قال : قتلوا . قال : فما فعلت الفئتان ؟ قال : قتلتا . قال : برئت ذمتك ، ولن أصب فيها دلوا أبدا ، يعني النخل ، فألحقني بهم ، فأبى أن يقتله فقتله غيره . واليد التي كانت لابن باطا عند ثابت أنه أسره يوم بعاث فجز ناصيته وأطلقه .

العاشرة : وقسم صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما . وقد قيل : للفارس سهمان وللراجل سهم . وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلاثين فرسا . ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن جنافة{[12757]} أحد بني عمرو بن قريظة ، فلم تزل عنده إلى أن مات صلى الله عليه وسلم . وقيل : إن غنيمة قريظة هي أول غنيمة قسم فيها للفارس والراجل ، وأول غنيمة جعل فيها الخمس . وقد تقدم أن أول ذلك كان في بعث عبد الله بن جحش ؛ فالله أعلم . قال : أبو عمر : وتهذيب ذلك أن تكون غنيمة قريظة أول غنيمة جرى فيها الخمس بعد نزول قوله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " {[12758]} [ الأنفال : 41 ] الآية . وكان عبد الله بن جحش قد خمس قبل ذلك في بعثه ، ثم نزل القرآن بمثل ما فعله ، وكان ذلك من فضائله رحمة الله عليه ، وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة . فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الفاضل الصالح سعد بن معاذ ، فانفجر جرحه ، وانفتح عرقه ، فجرى دمه ومات رضي الله عنه . وهو الذي أتى الحديث فيه : ( اهتز لموته عرش الرحمن ) يعني سكان العرش من الملائكة فرحوا بقدوم روحه واهتزوا له . وقال ابن القاسم عن مالك : حدثني يحيى بن سعيد قال : لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك ، ما نزلوا إلى الأرض قبلها . قال مالك : ولم يستشهد يوم الخندق من المسلمين إلا أربعة أو خمسة .

قلت : الذي استشهد يوم الخندق من المسلمين ستة نفر فيما ذكر أهل العلم بالسير : سعد بن معاذ أبو عمرو من بني عبد الأشهل ، وأنس بن أوس بن عتيك ، وعبد الله بن سهل ، وكلاهما أيضا من بني عبد الأشهل ، والطفيل بن النعمان ، وثعلبة بن غنمة{[12759]} ، وكلاهما من بني سلمة ، وكعب بن زيد من بني دينار بن النجار ، أصابه سهم غرب{[12760]} فقتله ، رضي الله عنهم . وقتل من الكفار ثلاثة : منبه بن عثمان ابن عبيد بن السباق بن عبد الدار ، أصابه سهم مات منه بمكة . وقد قيل : إنما هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق . ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، اقتحم الخندق فتورط فيه فقتل ، وغلب المسلمون على جسده ، فروي عن الزهري أنهم أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جسده عشرة آلاف درهم فقال : ( لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه ) فخلى بينهم وبينه . وعمرو بن عبد ودّ الذي قتله علي مبارزة ، وقد تقدم . واستشهد يوم قريظة من المسلمين خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج ، طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته . ومات في الحصار أبو سنان بن محصن بن حرثان الأسدي ، أخو عكاشة بن محصن ، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقبرة بني قريظة التي يتدافن فيها المسلمون السكان بها اليوم . ولم يصب غير هذين ، ولم يغز كفار قريش المؤمنين بعد الخندق . وأسند الدارمي أبو محمد في مسنده : أخبرنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوي{[12761]} من الليل حتى كفينا ، وذلك قول الله عز وجل : " وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا " [ الأحزاب : 25 ] فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام فصلى الظهر فأحسن كما كان يصليها في وقتها ، ثم أمره فأقام العصر فصلاها ، ثم أمره فأقام المغرب فصلاها ، ثم أمره فأقام العشاء فصلاها ، وذلك قبل أن ينزل : " فإن خفتم فرجالا{[12762]} أو ركبانا " [ البقرة : 239 ] خرجه النسائي أيضا . وقد مضت هذه المسألة في " طه " {[12763]} . وقد ذكرنا في هذه الغزاة أحكاما كثيرة لمن تأملها في مسائل عشر . ثم نرجع إلى أول الآي وهي تسع عشرة آية تضمنت ما ذكرناه .

قوله تعالى : " إذ جاءتكم جنود " يعني الأحزاب . " فأرسلنا عليهم ريحا " قال مجاهد : هي الصبا ، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم . قال : والجنود الملائكة ولم تقاتل يومئذ . وقال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت الشمال : إن محوة{[12764]} لا تسري بليل . فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ) . وكانت هذه الريح معجزة للنبي الله عليه وسلم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا قريبا منها ، لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق ، وكانوا في عافية منها ، ولا خبر عندهم بها . " وجنودا لم تروها " وقرئ بالياء ، أي لم يرها المشركون . قال المفسرون : بعث الله تعالى عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وأرسل الله عليهم الرعب ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر ، حتى كان سيد كل خباء يقول : يا بني فلان هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهم : النجاء النجاء ؛ لما بعث الله تعالى عليهم من الرعب . " وكان الله بما تعملون بصيرا " وقرئ : " يعملون " بالياء على الخبر ، وهي قراءة أبي عمرو . الباقون بالتاء ، يعني من حفر الخندق والتحرز من العدو .


[12722]:سميت غزوة الخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما تسميتها بالأحزاب: فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين، وهم قريش وغطفان واليهود.
[12723]:أي مستخفين ومستترين بعضهم ببعض.
[12724]:راجع ج 4 ص 249 فما بعد. و ج 13 ص 194.
[12725]:أي المعتق من النار.
[12726]:راجع ج 7 ص 71.
[12727]:ندر: سقط.
[12728]:في النسائي:" ديارهم".
[12729]:سلع: جبل بالمدينة.
[12730]:الجهام: السحاب لا ماء فيه.
[12731]:في سيرة ابن هشام: " بصوابي".
[12732]:في سيرة ابن هشام:" فصددت حين تركته...".
[12733]:المتجدّل: اللاصق بالأرض. الدكادك: جمع دكداك، وهو الرمل اللين. والروابي: جمع رابية، وهو ما ارتفع من الأرض.
[12734]:المقطر: الذي ألقى على أحد قطريه، أي جنبيه. وبزني: سلبني وجردني.
[12735]:في سيرة ابن هشام:" بالشعر".
[12736]:مقلصة: مجتمعة منضمة.
[12737]:الأكحل: عرق في وسط الذراع.
[12738]:العرقة (بفتح العين وكسر الراء): أم حبان، واسمها قلابة بنت سعيد بن سعد تكنى أم فاطمة، وسميت العرقة لطيب ريحها، وهي جدّة خديجة.
[12739]:في الأصول:" جبارة" والتصويب عن سيرة ابن هشام وشرح المواهب.
[12740]:في ك:" أن تقاتل معنا". وفي ج:" مقامك". قوله:" خدعة" في النهاية لابن الأثير: " يروى بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال، وبضمها مع فتح الدال. فالأوّل معناه: إن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع، أي أن المقاتل إذا خدع مرة واحدة لم تكن لها إقالة. وهي أفصح الروايات وأصحها. ومعنى الثاني: هو الاسم من الخداع. ومعنى الثالث: أن الحرب تخدع الرجال وتمنيهم ولا تفي لهم، كما يقال: فلان رجل لعبة وضحكة، أي كثير اللعب والضحك.
[12741]:النهزة: الفرصة تجدها من صاحبك.
[12742]:ما بين المربعين كذا ورد في ك. والذي في ج، ش:"...وغطفان رهنا رجالا ونسلمهم".
[12743]:مثلث الغين.
[12744]:الكراع: اسم يجمع الخيل. والخف: اسم يجمع الإبل.
[12745]:الذعر: الفزع، يريد لا تعلمهم بنفسك وامش في خفية لئلا ينفروا منك ويقبلوا عليّ.
[12746]:يقول: كأنما أمشي في حرّ لم يصبني برد ولا من تلك الريح الشديدة شيء ببركة توجيه النبي صلى الله عليه وسلم.
[12747]:راجع ج 11 ص 311.
[12748]:الأطم: حصن مبني بحجارة.
[12749]:في الأصول:" في الأطم الذي فارع". وفارع: حصن بالمدينة، قال إنه حصن حسان بن ثابت.
[12750]:مقلصة: مجتمعة منضمة.
[12751]:راجع ج 7 ص 394.
[12752]:راجع ج 8 ص 242.
[12753]:الإسعاف: قضاء الحاجة.
[12754]:أرقعة جمع رقيع، والرقيع السماء، سميت بذلك لأنها رقعت النجوم.
[12755]:أي بلون الورد حين أن يتفتح.
[12756]:الملحمة: الوقعة العظيمة القتل.
[12757]:ويقال: فيه "خنافة" بالخاء المعجمة.
[12758]:راجع ج 8 ص 1.
[12759]:في المواهب اللدنية والإصابة:" ثعلبة بن عنمة بفتح العين المهملة والنون".
[12760]:قال ابن هشام:" سهم غرب، وسهم غرب (بإضافة وغير إضافة) وهو الذي لا يعرف من أين جاء ولا من رمى به".
[12761]:الهوى (بالفتح): الزمان الطويل.
[12762]:راجع ج 3 ص 223.
[12763]:راجع ج 11 ص 180.
[12764]:محوة: من أسماء الشمال؛ لأنها تمحو السحاب وتذهب بها، وهي معرفة لا تنصرف، ولا تدخلها ألف ولام.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

ولما أكد سبحانه وجوب الصدع بكل أمره وإن عظمت مشقته وزادت حرقته من غير ركون إلى مؤالف{[55107]} موافق ، ولا اهتمام بمخالف مشاقق{[55108]} ، اعتماداً على تدبيره ، وعظيم أمره في تقديره ، ذكرهم بدليل شهودي هو أعظم وقائعهم في حروبهم ، وأشد ما دهمتهم من كروبهم{[55109]} ، فقال معلماً أن المقصود بالذات بما مضى من{[55110]} الأوامر الأمة - وإنما وجه الأمر إلى الإمام{[55111]} ليكون أدعى لهم إلى الامتثال فإن الأمر للنبي{[55112]} صلى الله عليه وسلم تكويني بمنزلة ما يقول الله تعالى له { كن } فحقيقته الإرادة لا الأمر ، والأمر للذين آمنوا تكليفي{[55113]} . وقد يراد منهم{[55114]} ما يؤمرون{[55115]} به وقد لا يراد ، وللناس احتجاجي أي تقام{[55116]} به عليهم الحجة ، ومن المحقق أن بعضهم يراد منه{[55117]} خلاف المأمور به : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان ، عبر به ليعم المنافقين { اذكروا } ورغبهم في الشكر بذكر الإحسان والتصريح بالاسم الأعظم فقال : { نعمة الله } عبر بها لأنها المقصودة بالذات والمراد إنعام الملك الأعلى الذي لا كفوء له { عليكم } أي لتشكروه عليها بالنفوذ لأمره غير ملتفتين إلى خلاف أحد كائناً من كان ، فإن الله كافيكم كل{[55118]} ما تخافون ثم ذكر لهم وقت تلك النعمة زيادة في تصويرها ليذكر لهم ما كان فيه منها فقال : { إذ } أي حين { جاءتكم } أي{[55119]} في غزوة الخندق حين اجتمعت عليكم الأحزاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم ضربه حين سمع بهم بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه على جانبي سلع من{[55120]} شماليه ، وخطه وقطع لكل عشرة رجال أربعين{[55121]} ذراعاً ، وكانوا ثلاثة آلاف ، فكان الخندق اثني عشر ألف ذراع { جنود } وهم الأحزاب من قريش ومن انضم إليه من {[55122]}الأحابيش في أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان ابن حرب ، ومن انضم من{[55123]} قبائل العرب من بني سليم يقودهم أبو الأعور ، ومن بني عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، ومن غطفان يقودهم عيينة بن حصن ، ومن بني أسد يقودهم طليحة بن خويلد ، ومن أسباط بني إسرائيل من اليهود ومن بني النضير ورؤساهم حيي بن أخطب وابنا أبي الحقيق ، وهم الذين جمعوا الأحزاب بسبب إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير من المدينة الشريفة ، وأفسدوا أيضاً بني قريظة ، وكانوا بالمدينة الشريفة وسيدهم كعب بن أسد ، فكان الجميع اثني عشر الفاً ، وكانوا واثقين في زعمهم بأنهم{[55124]} لا يرجعون وقد بقي للإسلام باقية ، ولا يكون لأحد من أهله منهم{[55125]} واقية .

ولما كان مجيء الجنود مرهباً ، سبب عنه عوده إلى مظهر العظمة فقال : { فأرسلنا } أي تسبب عن ذلك أنا لما رأينا عجزكم عن مقابلتهم ومقاومتهم في مقاتلتهم ألهمناكم عمل الخندق ليمنعهم{[55126]} من سهولة الوصول إليكم ، ثم لما طال مقامهم أرسلنا بما لنا من العظمة { عليهم } أي خاصة { ريحاً } وهي ربح{[55127]} الصبا ، فأطفأت نيرانهم .

وأكفأت قدورهم وجفانهم ، وسفت التراب في وجوههم ، ورمتهم بالحجارة وهدت{[55128]} خيامهم ، وأوهنت ببردها عظامهم ، وأجالت خيلهم { وجنوداً لم تروها } يصح أن تكون الرؤية بصرية وقلبية ، منها من البشر نعيم بن مسعود الغطفاني رضي الله عنه هداه الله للإسلام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إنه لم يعلم أحد{[55129]} بإسلامي ، فمرني يا رسول الله بأمرك ! فقال : " إنما أنت فينا رجل واحد والحرب خدعة ، فخذل عنا{[55130]} مهما استطعت " فأخلف{[55131]} بين اليهود وبين العرب بأن قال لليهود وكانوا أصحابه : إن هؤلاء - يعني العرب - إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا انشمروا إلى بلادهم راجعين . وليس حالكم كحالهم ، البلد بلدكم وبه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم ، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم ليكونوا عندكم{[55132]} حتى تناجزوا الرجل ، فإنه ليس لكم به طاقة إذا انفرد بكم ، فقالوا : أشرت بالرأي ، فقال : فاكتموا عني ، وقال لقريش : قد علمتم صحبتي لكم وفراقي لمحمد ، وقد سمعت أمراً ما أظن {[55133]}أنكم تتهمونني{[55134]} فيه ، فقالوا : ما أنت عندنا بمتهم ، قال : فاكتموا عني{[55135]} ، قالوا : نفعل ، قال : إن اليهود قد ندموا على نقض ما بينهم وبين محمد وأرسلوا إليه : إنا قد ندمنا فهل ينفعنا عندك{[55136]} أن نأخذ لك من القوم جماعة من أشرافهم تضرب أعناقهم ، ونكون معك على بقيتهم ، حتى تفرغ منهم{[55137]} لتكف{[55138]} عنا . وتعيد لنا الأمان ، قال : نعم ، فإن أرسلوا إليكم فلا{[55139]} تدفعوا إليهم رجلاً واحداً ، ثم أتى غطفان فقال : إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ ، قالوا : صدقت ، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش واستكتمهم ، فأرسلت إليهم قريظة يطلبون منهم رهناً فقالوا{[55140]} : صدق نعيم ، وأبوا أن يدفعوا إليهم أحداً{[55141]} ، فقالت قريظة : صدق نعيم ، فتخاذلوا واختلفت كلمتهم ، فانكسرت شوكتهم ، وبردت حدتهم ، ومنها{[55142]} من الملائكة جبرائيل عليه السلام ومن أراد الله منهم - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام ، والتحية والإكرام ، فكبروا في نواحي عسكرهم ، وزلزلوا بهم{[55143]} ، وبثوا الرعب في قلوبهم ، فماجت خيولهم ، واضمحل قالهم وقيلهم ، فكان في ذلك رحيلهم ، بعد نحو أربعين يوماً أو بضع وعشرين - على ما قيل .

ولما أجمل سبحانه القصة على طولها في بعض هذه الآية ، فصلها فقال{[55144]} ذاكراً الاسم الأعظم إشارة إلى أن ما وقع فيها كان معتنى به اعتناء من بذل جميع الجهد وإن كان الكل عليه سبحانه يسيراً{[55145]} : { وكان الله } الذي له جميع صفات {[55146]}الكمال و{[55147]}الجلال والجمال { بما يعملون } أي الأحزاب من التحزب والتجمع والتألب والمكر والقصد السيىء - على قراءة البصري{[55148]} ، وأنتم أيها المسلمون من حفر الخندق وغيره من الصدق في الإيمان وغيره{[55149]} - على قراءة الباقين { بصيراً } بالغ الإبصار والعلم ، فدبر في هذه الحرب ما كان المسلمون به الأعلين ولم ينفع أهل الشرك قوتهم ، ولا أغنت عنهم كثرتهم ، ولا ضر المؤمنين قلتهم ، وجعلنا ذلك سبباً لإغنائهم{[55150]} بأموال بني قريظة ونسائهم وأبنائهم وشفاء لأدواتهم بإراقة دمائهم - كما سيأتي ؛


[55107]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مألوف.
[55108]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: متشاقق.
[55109]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ركوبهم.
[55110]:زيد من ظ وم ومد.
[55111]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: إمام.
[55112]:في ظ ومد: إلى النبي.
[55113]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تكليفا.
[55114]:زيد من ظ وم ومد.
[55115]:من م ومد، وفي الأصل وظ: يأمرون.
[55116]:من م ومد، وفي الأصل وظ: مقام.
[55117]:في ظ: منهم.
[55118]:سقط من ظ ومد.
[55119]:زيد من ظ وم ومد.
[55120]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[55121]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أربعون.
[55122]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55123]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55124]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أنهم.
[55125]:زيد من ظ وم ومد.
[55126]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ليمنعكم.
[55127]:سقط من ظ.
[55128]:من م ومد، وفي الأصل وظ: هدمت.
[55129]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أحدا.
[55130]:في ظ: عنها.
[55131]:زيد في الأصل: بيتك، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[55132]:في ظ: عندك.
[55133]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أن تتهموني.
[55134]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أن تتهموني.
[55135]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: على.
[55136]:زيد من ظ وم ومد.
[55137]:زيد من ظ وم ومد.
[55138]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وتكف.
[55139]:في ظ ومد: لا.
[55140]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فقال.
[55141]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: رجلا واحدا.
[55142]:في ظ: منهم.
[55143]:زيد من ظ وم ومد.
[55144]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وقال.
[55145]:زيد من ظ وم ومد.
[55146]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55147]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55148]:راجع نثر المرجان 5/379و 380.
[55149]:زيد من ظ وم ومد.
[55150]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لإفنائهم.