البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

ذكرهم الله تعالى بنعمته عليهم في غزوة الخندق ، وما اتصل بها من أمر بني قريظة ، وقد استوفى ذلك أهل السير ، ونذكر من ذلك ما له تعلق بالآيات التي نفسرها .

وإذ معمولة لنعمة ، أي إنعامه عليكم وقت مجيء الجنود ، والجنود كانوا عشرة الآف ، قريش ومن تابعهم من الأحابيش في أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان ، وبنو أسد يقودهم طليحة ، وغطفان يقودهم عيينة ، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، وسليم يقودهم أبو الأعور ، واليهود النضير رؤساؤهم حيي بن أخطب وابنا أبي الحقيق ، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد ، وكان بينه وبين الرسول عهد ، فنبذه بسعي حيي بن أخطب .

وقيل : فاجتمعوا خمسة عشر ألفاً ، وهم الأحزاب ، ونزلوا المدينة ، فحفروا الخندق بإشارة سليمان ، وظهرت للرسول به تلك المعجزة العظيمة من كسر الصخرة التي أعوزت الصحابة ثلاث فرق ، ظهرت مع كل فرقة برقة ، أراه الله منها مدائن كسرى وما حولها ، ومدائن قيصر وما حولها ، ومدائن الحبشة وما حولها ؛ وبشر بفتح ذلك ، وأقام الذراري والنساء بالآطام ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في ثلاثة آلاف ، فنزلوا بظهر سلع ، والخندق بينهم وبين المشركين ، وكان ذلك في شوال ، سنة خمس ، قاله ابن إسحاق .

وقال مالك : سنة أربع .

وقرأ الحسن : وجنوداً ، بفتح الجيم ؛ والجمهور : بالضم .

بعث الله الصبا لنصرة نبيه ، فأضرت بهم ؛ هدمت بيوتهم ، وأطفأت نيرانهم ، وقطعت حبالهم ، وأكفأت قدورهم ، ولم يمكنهم معها قرار .

وبعث الله مع الصبا ملائكة تشدد الريح وتفعل نحو فعلها .

وقرأ أبو عمرو في رواية ، وأبو بكرة في رواية : لم يروها ، بياء الغيبة ؛ وباقي السبعة ، والجمهور : بتاء الخطاب .