اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُوا اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ . . . } الآية وهذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله بحيث لا يبقى معه خوف من أحد وذلك حين حُوصِرَ المسلمون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام الخَنْدَق ، واجتمع الأحزاب واشتد الأمر على الأصحاب حيث اجتمع المشركون بأسرهم واليهود بأجمعهم ، ونزلوا على المدينة وعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - الخَنْدَق وكان الأمر في غاية الشدة والخوف بالغاً إلى الغاية والله دفع القوم عنهم من غير قتال وآمَنَهُمْ من الخوف فينبغي أن لا يخاف العبدُ غَيْرَ ربه فإنه القادر{[43160]} على كل الممكنات فكان قادراً على أن يقهر المسلمين بالكفار مع أنهم ضعفاء كما قهر الكافرين بالمؤمنين مع قوتهم وشوكتهم .

قوله : «إذْ جَاءَتْكُمْ » يجوز أن يكون منصوباً «بنعمة » أي النعمة الواقعة في ذلك الوقت ، ويجوز أن يكون منصوباً باذْكُرُوا على أن يكون بدلاً من «نعمة » بدل اشتمال{[43161]} ، والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش وغَطفَان ، ويهود قُرَيْظَةَ والنَّضِير { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً }{[43162]} وهي الصَّبَا ، قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي بنصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت الشمالُ إن الحرَّة لا تَسْرِي بالليل فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا وروى مجاهد عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قال : «نُصِرتُ بالصَّبَا وأهلكَتْ عَادٌ بالدَّبورِ »{[43163]} .

قوله : { وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا } قرأ الحسن بفتح الجيم ، والعامة بضمها{[43164]} ، و «جُنُوداً » عطفاً على «ريحاً » و «لَمْ تروها » صفة لهم ، وروي عن أبي عمرو ، وأبي بكر «لم يَرَوْهَا »{[43165]} بياء الغيبة ، وهم الملائكة ولم تقاتل الملائكة يومئذ فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحاً باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفَسَاطِيطِ{[43166]} وأطفأت النيرانَ وأَكْفَأت القُدُورَ{[43167]} ، وجالت الخيل بعضها في بعض وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بني فلان هَلُمَّ إليَّ فإذا اجتمعوا عنده قال : النَّجَا النَّجَا أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال{[43168]} . { وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } وهذا إشارة إلى أن الله علم التجاءكم إليه وجاءكم{[43169]} فضله فنصركم على الأعداء عند الاستعداد والقصة مشهورة .


[43160]:في "ب" فإنه قادر بدون (ألف ولام).
[43161]:ذكره العكبري في التبيان 52. والدر المصون 4/367.
[43162]:لم أعثر على هذا الرأي وهذا الأثر بصيغته تلك وإنما ما عثرت عليه أن الريح التي نزلت عليهم ربح الصبا، انظر: زاد المسير 6/357.
[43163]:الحديث رواه الإمام البخاري في الاستسقاء 1/183.
[43164]:من القراءات الشاذة ذكرها أبو حيان في البحر 7/216 وانظر شواذ القرآن (193).
[43165]:زاد المسير 6/357 وهي قراءة النخعي والجَحْدَرِيَ، والجَوْنِي وابن السَّمَيْفَعَ، وانظر كذلك مختصر ابن خالويه 118 والقرطبي 14/144 بدون نسبة.
[43166]:أي عروق الشعر.
[43167]:أي كبت يقال: كفأت الإناء أي كببته، وأكفأت الشيء أي أملته انظر: اللسان:" ك ف أ" 3893.
[43168]:انظر: زاد السير 6/357.
[43169]:في "ب" ورجاكم.