الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُوا اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ } [ الأحزاب : 9 ] إلى قوله تعالى : { يا أيها النبي قُل لأزواجك } [ الأحزاب : 28 ] نزلتْ في شأنِ غزوةِ الخندقِ ، وما اتَّصَلَ بها مِن أمر بني قُرَيْظَةَ ، وذلك أن رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم أجلى بَنِي النَّضِيرِ مِنْ مَوْضِعِهِمْ عِنْدَ المَدِينَةِ إلى خَيْبَر ، فاجْتَمَعَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ اليَهُودِ ، وَخَرَجُوا إلى مَكَّةَ مُسْتَنْهِضِينَ قُرَيْشاً إلى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَسَّرُوهُمْ على ذَلِكَ ، وَأَزْمَعَتْ قُرَيْشُ السَّيْرَ إلَى المَدِينَةِ ، وَنَهَضَ اليَهُودُ إلى غَطَفَانَ ، وبَنِي أَسَدٍ ، وَمَنْ أَمْكَنَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ وتِهَامَةَ ، فاستنفروهم إلى ذَلِكَ وَتَحَزَّبُوا وَسَارُوا إلَى المَدِينَةِ ، واتصل خَبَرُهُمْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَحَفَرَ الخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ ، وَحَصَّنَهَا ، فَوَرَدَتِ الأحْزَابُ ، وحَصَرُوا المدينةَ ، وذلك في شَوَّال سنة خمسٍ ، وقيل : أرْبَعٍ مِن الهجرةِ ، وكانت قريظة قَدْ عَاهَدُوا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وعَاقدوه أَلاَّ يَلْحَقَهُ منهم ضَرَرٌ ، فلمَّا تمكَّن ذلك الحِصَارُ ، ودَاخَلَهم بَنُو النضيرِ غَدَرُوا رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم وَنَقَضُوا عهده ، وضاق الحال على المؤمنين ، ونَجَمَ النفاقُ وساءَت ظُنُون قَوْمٍ ، ورسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم مع ذلك يُبَشِّرُ وَيَعِدُ النَّصْرَ ، فألقَى اللّه عز وجل الرُّعْبَ في قُلوب الكافرينَ ، وتخاذلوا ويَئِسوا من الظَّفْرِ ، وأرسل اللّه عليهم ريحاً وهي الصَّبَا ، وملائكةً تُسَدِّدُ الرِّيحَ ، وتفعل نحو فعلها ، وتُلْقِي الرُّعْبَ في قلوب الكفرةِ ، وهي الجنودُ التي لَم تُرَ ، فارتَحَلَ الكَفَرَةُ وانقلبوا خائبين .