الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

أخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طرق عن حذيفة قال « لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ، ونحن صافون قعود ، وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا ، وقريظة اليهود أسفل نخافهم على ذرارينا ، وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ، ولا أشد ريحاً منها ، أصوات ريحها أمثال الصواعق ، وهي ظلمة ما يرى أحد منا إصبعه ، فجعل المنافقون يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون { إن بيوتنا عورة وما هي بعورة } فما يستأذنه أحد منهم إلا أذن له ، يتسللون ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك ، إذ استقبلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً رجلاً حتى مر علي ، وما علي جنة من العدو ، ولا من البرد إلا مرط لامرأتي ، ما يجاوز ركبتي ، فأتاني وأنا جاث على ركبتي فقال : من هذا ؟ قلت : حذيفة فتقاصرت إلى الأرض فقلت : بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم فقال : قم . فقمت فقال : إنه كان في القوم خبر ، فأتني بخبر القوم قال : وأنا من أشد الناس فزعاً ، وأشدهم قراً ، فخرجت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، قال : فوالله ما خلق الله فزعاً ولا قراً في جوف إلا خرج من جوفي ، فما أجد منه شيئاً ، فلما وليت قال : يا حذيفة لا تحدث في القوم شيئاً حتى تأتيني ، فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم ، نظرت في ضوء نار لهم توقد ، وإذا برجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ، ويمسح خاصرته ويقول : الرحيل . . . الرحيل . . . ثم دخل العسكر فإذا في الناس رجال من بني عامر يقولون : الرحيل . . . الرحيل يا آل عامر لا مقام لكم ، وإذا الرحيل في عسكرهم ما يجاوز عسكرهم شبراً فوالله أني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم ، ومن بينهم الريح يضربهم بها ، ثم خرجت نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انتصفت في الطريق أو نحو ذلك ، إذا أنا بنحو من عشرين فارساً متعممين ، فقالوا : اخبر صاحبك أن الله كفاه القوم ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشتمل في شملة يصلي ، وكان إذا حز به أمر صلى ، فأخبرته خبر القوم أني تركتهم يرتحلون . فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذا جاءتكم جنود . . . } » .

وأخرج الفريابي وابن عساكر عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : قال رجل : لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحملته ولفعلت . فقال حذيفة : لقد رأيتني ليلة الأحزاب ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في ليلة باردة ما قبله ولا بعده برد كان أشد منه ، فحانت مني التفاتة ، فقال « ألا رجل يذهب إلى هؤلاء فيأتينا بخبرهم - جعله الله معي يوم القيامة - قال : فما قام منه إنسان قال : فسكتوا ، ثم عاد . . . فسكتوا ، ثم قال : يا أبا بكر ، ثم قال : استغفر الله رسوله ، ثم قال : إن شئت ذهبت فقال : يا عمر فقال : استغفر الله رسوله ، ثم قال : يا حذيفة فقلت : لبيك . فقمت حتى أتيت ، وإن جنبي ليضربان من البرد ، فمسح رأسي ووجهي ، ثم قال : ائت هؤلاء القوم حتى تأتينا بخبرهم ، ولا تحدث حدثاً حتى ترجع ، ثم قال : اللهم احفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، حتى يرجع . قال فلان : يكون أرسلها كان أحب إلي من الدنيا وما فيها . قال : فانطلقت ، فأخذت أمشي نحوهم كأني أمشي في حمام قال : فوجدتهم قد أرسل الله عليهم ريحاً ، فقطعت أطنابهم ، وذهبت بخيولهم ، ولم تدع شيئاً إلا أهلكته ، قال : وأبو سفيان قاعد يصطلي عند نار له ، قال فنظرت إليه ، فأخذت سهماً ، فوضعته في كبد قوسي قال : - وكان حذيفة رامياً - فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحدثن حدثاً حتى ترجع " قال : فرددت سهمي في كنانتي قال : فقال رجل من القوم : ألا فيكم عين للقوم ؟ فأخذ كل بيد جليسه ، فأخذت بيده جليسي فقلت : من أنت ؟ قال : سبحان الله ! أما تعرفني ؟ أنا فلان ابن فلان فإذا رجل من هوازن ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر ، فلما أخبرته ضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل ، وذهب عني الدفء فأدناني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنامني عند رجليه ، وألقى علي طرف ثوبه ، فإن كنت لألزق بطني وصدري ببطن قدميه ، فلما أصبحوا هزم الله الأحزاب ، وهو قول { فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } » .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود } قال : كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب .

وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قلنا يوم الخندق : يا رسول الله هل من شيء نقول : فقد بلغت القلوب الحناجر ؟ قال : « نعم . قولوا : اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، قال : فضرب الله وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله بالريح » .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي عن مجاهد { إذ جاءتكم جنود } قال : الأحزاب . عيينة بن بدر ، وأبو سفيان ، وقريظة .

{ فأرسلنا عليهم ريحاً } قال : يعني ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم على أفواهها ، ونزعت فساطيطهم حتى اظعنتهم { وجنوداً لم تروها } يعني الملائكة قال : ولم تقاتل الملائكة يومئذ .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن مردويه وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما كانت ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب قالت : انطلقي فانصري الله ورسوله ، فقالت الجنوب : إن الحرة لا تسري بالليل ، فغضب الله عليها وجعلها عقيماً ، فأرسل الله عليهم الصبا ، فأطفأت نيرانهم ، وقطعت أطنابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور ، فذلك قوله { فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها } » .

وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا لم يقاتل من أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس ، وتهب الرياح » .