تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } كأنه يقول ، والله أعلم : اشكروا ما أنعم الله عليكم ، وأحسنوا صحبة نعمه في النصر لكم والدفع عنكم .

ثم الأمر في تذكير ما أنعم عليهم [ فيه ]( {[16507]} ) وجوه من الحكمة والدلالة :

أحدها : تذكير لنا في مقاساة أولئك السلف والصحابة( {[16508]} ) وعظيم ما امتحنوا في أمر الدين [ حتى بلّغوا الدين ]( {[16509]} ) إلينا لكي لا نضيّعه نحن ، بل يلزمنا أن نحفظه ، ونتمسك به ، ونتحمل /424-ب/ فيه كما تحمل أولئك .

والثاني : فيه آية لهم ؛ وذلك أنهم كانوا جميعا هم وأعداؤهم ، فجاءتهم الريح والملائكة ، فأهلكتهم دون المؤمنين . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نصرت بالصبا وأهلك عاد بالدبور ) [ البخاري 3205 ] وذلك آية عظيمة .

والثالث : يذكرهم ما آتاهم من الغوث عند إياسهم من أنفسهم وإشرافهم على الهلاك وخروج أنفسهم من أيديهم لأن العدو قد أحاطوا بهم . قال : { إذ جاءكم من فوقكم ومن أسفل منكم } وبلغ أمرهم وحالهم ما ذكر حتى( {[16510]} ) قال { وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } الآية [ الأحزاب : 10 ] .

[ ويحتمل ]( {[16511]} ) أن يذكر لما كان منهم من العهد والميثاق ألا يولّوا الأدبار ، ولا يهربوا كقوله : { ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولّون الأدبار } الآية [ الأحزاب : 15 ] .

يذكّرهم عظيم نعمه التي كانت عليهم في النصر لهم على عدوهم والدفع عنهم وحالهم ما ذكر في الآية .

وذلك كان يوم الخندق [ إذ تحزّب الأعداء على ]( {[16512]} ) المؤمنين في ثلاثة أمكنة ، يقاتلونهم من كل وجه شهرا ، فبعث الله عليهم بالليل ريحا باردة ، وبعث الملائكة ، فغلبتهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وكان الله بما تعملون بصيرا } يذكر أنه لا عن غفلة وسهو ترككم هنالك حتى أحاط بكم العدو ، ولكن أراد أن يمتحنكم محنة عظيمة ، أو يقول : إنه بصير عليم ، فيجزيكم جزاء عملكم وصبركم على ذلك ، والله أعلم .


[16507]:ساقطة من الأصل وم.
[16508]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: في الصحابة.
[16509]:من م، ساقطة من الأصل.
[16510]:في الأصل وم: حيث.
[16511]:من نسخة الحرم المكي، في الأصل وم: أو.
[16512]:في الأصل وم: تخربوا.